لست حقيقة من الحريصين على متابعة ما قد يُعرض على الشاشة من برامج أو مواد تلفزيونية في شهر رمضان المبارك ولكن كان برنامج "بالتي هي أحسن" أحد تلك البرامج التي لفتت اهتمامي خاصة وأن البرنامج ديني فكري في قالب حواري ومن منظور عصري¡ وأما ضيفه الدائم فهو المفكر معالي الدكتور الشيخ محمد العيسى وكان حقيقة بمثابة العلامة الفارقة والقيمة المضافة للبرامج التلفزيونية والتي نحن في أشد ما نكون حاجة لها خاصة فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني وإظهار صورته المعتدلة الحقيقية التي اختطفتها بعض قوى الشر والجماعات الإرهابية في أزمان مضت واستغلت صوتها الأعلى ومنابرها الإعلامية لتزيف الواقع وحقيقة الخطاب الديني السمح الذي شوهته ولطخته بتسويغ الكثير من أعمالهم الإجرامية والإرهابية أو خطابهم المتطرف عموماً.
وفيما لا يراه كثيرون من بأس بتهوينهم لمسألة التشدد والتطرف وعدم الاكتراث بخطورته أنه ربما غاب عن أذهانهم أن خطورة المتطرفين تكمن في الخلط الذي لا يدركونه بين عمليات التدين الطبيعي¡ والتشدد المربوط بالإسلام السياسي¡ ذلك الكيان الفكري
الخطير على الإسلام قبل المسلمين من خلال تحويل الإسلام من مضمون روحي وديني إلى مجرد أفكار أيديولوجية تتجه نحو طلب السلطة
عبر تهديد الدول الآمنة والتأسيس لأفكار تحارب الحكومات.
وليت الأمر وقف عند هذا الحد! ففي أحيان كثيرة وقريبة يستميت الإسلام السياسي لخداع الدول في مصطلحات إسلامية المنشأ تنظيمية الهدف. هذا التحويل للإسلام من دين أمة إلى دين حزب هو ما يهدد الصورة الإنسانية المشرقة التي كسبها الإسلام عبر
التسامح الذي رسخه أتباعه المعتدلون سوى الكارثة أن التشدد هو الأعلى صوتاً!فخلال العقود الماضية فهم الغربيون الإسلام من خلال المتشددين الذين يهددون سلم الدول وأمن المجتمعات خاصة أولئك من المهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ولعل الذاكرة تعود لي لحديث معالي الشيخ الدكتور محمد العيسى إبان كلمته التي ألقاها في مؤتمر اتفاقية
الأديان السماوية الثلاثة في باريس قبل بضعة أشهر وقد أبان معاليه حرص رابطة العالم الإسلامي على نشر الوعي في الداخل الاسلامي
وخارجه¡ ومن ذلك ضرورة أن يلتزم المسلمون في أوروبا باحترام دساتير وقوانين الدول التي يعيشون فيها¡ ومن جهة شأنهم الديني ألا يقبلوا
بتصدير الفتاوى إليهم¡ فلكل دولة ظرفيتها المكانية وخصوصيتها في الأحكام الشرعية حيث تختلف الفتاوى في الشريعة الإسلامية باختلاف
المكان والزمان وهذا من سعة أفق الشريعة التي تهدف إلى إيجاد المصالح وإقصاء المفاسد وفي هذا تحقيق للمقاصد الحقيقية لنصوص
الشريعة الإسلامية.
واعتبر معاليه أن وثيقة مكة المكرمة التي وُقّعت في شهر رمضان الماضي تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي¡ تُعد
من أهم وثائق العصر الحديث¡ لما أكدت عليه من حماية الحريات المشروعة¡ وتحقيق العدالة بين المرأة والرجل¡ وعدم المساس باللحمة
الوطنية وتفهم طبيعة الاختلاف والتنوع بين البشر.
بكل تأكيد هناك محاولات كبيرة لنشر الاعتدال الإسلامي والديني عموماً وخطاب الاعتدال والتسامح والتي نراهن عليها وإن كانت في بداياتها ولكن آمل أن تؤتي ثمارها يانعة لتضع أمصالها في فيروسات التشدد والإرهاب والحروب منهية عقوداً من السير نحو الوراء تحت يافطات متعددة تزايد على الناس في دينهم وإسلامهم الذي عرفوه وفهموه منذ أربعة عشر قرناً¡ ولا يحتاجون إلى أحزاب تحاول عسكرة المفاهيم الإسلامية الواضحة.
http://www.alriyadh.com/1820831]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]