اقترح الرئيس ماكرون على الفرنسيين الاستفادة من أوقات الحجر الصحي بالقراءة¡ ولا أدري إن كان هناك رئيس دولة فعل ذلك عبر العالم¡ لكن هذا ليس جديداً على رؤساء فرنسا¡ اشتهر بومبيدو بحبه للفن الحديث¡ ميتران كان عاشقاً للأدب¡ أما شيراك فقد أحب الفنون البدائية¡ وقد أحب الفرنسيون هذا الجانب في رؤسائهم¡ لهذا ظل ساركوزي بعيداً عن بؤرة إعجابهم¡ الرجل الذي لا يقرأ ولا يعرف استعمال الكلمات¡ ومن دون خلفية ثقافية تكون دعامة لتقوية حضوره في الأوساط الثقافية المسيطرة على الإعلام¡ حتى أن جملته التاريخية "أنا مهاجر ولا أملك شهادة" ظلّت في الأذهان¡ وقد اعتمد على السياسي هنري جوينو لتخصصه في كتابة الخطابات لإيجاد الكلمات المناسبة والمؤثرة لبلوغ كرسي الرئاسة. كان يقول بوقاحة "هنري سيفعل ذلك" وقد فعلها فعلا بسلاحه اللغوي.
كل اهتمام بالثقافة والأدب عند الطبقة الحاكمة ينعكس مباشرة على المجتمع¡ وهذا ما يفسّر القحط الثقافي الذي تعاني منه بعض الدول العربية¡ حتى أن بعضها كان في الريادة¡ وأصبح اليوم في الحضيض¡ وقد عكس سلوك شعوبها الانتحاري في أزمة كورونا نسبة الجهل التي اكتسحت العقول.
بالطبع هناك أصوات كثيرة ترتفع اليوم لتقول: إن الأدب لن ينقذنا¡ أدباء ونقاد وفلاسفة رددوا هذه المقولة في الفترة الأخيرة رداً على "الرئيس القارئ" ¡ فالكتاب لن يخرجنا من الأزمة الاقتصادية الحادة التي خلّفها (كوفيد 19)¡ ولن يصحح ما لحق بالبشرية من مصائب¡ بل إن الأزمة امتدت إلى قطاع الكتاب نفسه¡ إذ إن فئة كبيرة من الناس لا يمكنها اقتناؤه¡ مقارنة مع مدخولها ومتطلبات الحياة الضرورية المُلِحّة.
لكن لنعد إلى بداية المقال¡ إن بلوغ عرش السياسة¡ وسدة الحكم يحتاج دوماً لكلمات¡ وهذا يستحيل تحقيقه من دون التمرس الجيد على القراءة. إن أي تقدم علمي يحتاج لتدوين الأفكار باللغة التي تعلمناها من الأدب والشعر¡ وجمع الأفكار لمناقشتها وتطويرها لا يتم إلا بهذه اللغة¡ فلا علم تطوّر بلغة الإشارات أو الإيماء¡ حتى الرياضيات احتاجت رموزها للغة للربط وتبسيط الفكرة قبل إيصالها.
يمكن أن يتهم الأديب بعجزه عن حل مشاكل العالم¡ لكن هل يمكن أن يستغني عنه قادة العالم¿
إن الذي يحدث اليوم بالضبط شبيه بالوقوف أمام لعبة شطرنج بمجرد أن يسقط منها بيدق واحد يشعر اللاعب أن ملكه في خطر¡ وأن اللعبة أصبحت قضية خسران وانتصار¡ وأن كل حركة قد تكون خطوة نحو النجاح أو الخسارة.
قراءة كتاب إن لم تكن "منقذة" ومفيدة فلا يمكنها أن تكون مضرة مثل هذه الأصوات التي تعلو وكأنها دعوة لمقاطعة القراءة. كان بالإمكان تقبل هذه الآراء المتطرفة¡ التي لم تقدم بديلاً للقراءة¡ لمقاومة الحجر¡ سوى أنها تطالب بإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية¡ طيب كيف سنجد الحلول من دون العودة للكتب¿
http://www.alriyadh.com/1821419]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]