في عالم الأعمال يشترك معظم الناجحين في صفة واحدة هي حسن استثمار الوقت¡ وحرصهم على تحديد أولوياتهم¡ فمن السهولة أن يضيع الوقت في أمور ثانوية قد لا تعود بالنفع على الشخص¡ وهو ما يعني أن تكون الأولويات معروفة والأهداف محددة¡ خصوصًا في هذا الوقت الذي سيطرت فيه الاتصالات على كل شبر وزاوية من الكرة الأرضية..
لم أتصور أنني أقترب من سنّ السبعين بهذه السرعة¡ كنت أظنها بعيدة جدًا¡ بل كنت أنظر إلى من هو في سنّ الخمسين أو الستين على أنه في مرحلة الشيخوخة¡ اليوم أدركت كيف تمضي السنوات سريعًا¡ وكيف تطوي مراحل العمر تباعًا¡ أصبح الوقت بشكل عام ومنه التقاعد من أهم الوقفات لي في محاضراتي للطلبة¡ أدعوهم إلى استثمار الوقت والتفكير في المستقبل¡ بعضهم يبتسم ويقول: دعني أتخرج أولًا ثم أجد وظيفة وأكوِّن أسرة¡ بعدها أفكر فيما تدعونا إليه¡ وحين أحاول تذكير الشاب بتلك السن المتقدمة¡ فأنا أقول لهم بكل بساطة: ما أولوياتك في الوقت الحاضر لتكون في وضع مريح ومنتج في تلك السن المتقدمة¿ وماذا تستطيع أن تعمل لتأمينها¿ ماذا عن العناية بالصحة والأسرة والحاجات الأساسية من مسكن ومأكل¿ بعض الشباب على عيونهم غشاوة¡ يبحث عما يمضي به وقته بصرف النظر عن فائدته أو آثاره الضارة. وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول¡ فهناك دول تأسست منذ مئات السنين¡ تدور في حلقات مفرغة¡ تكرر نفسها¡ وتجتر ماضيها¡ وتعيد أخطاءها بصور مختلفة¡ وتوجد دول نهضت حديثًا حين أدركت أهمية الوقت¡ قيادة واعية أخذت بأهم مبادئ القوة وهو التعليم المتميز¡ وتنويع قنوات الاقتصاد¡ والشفافية¡ ومكافحة الفساد بأنواعه¡ وضمان حرية النقد البناء وتشجيعه.
التفكير في الوقت ونتائج كل مرحلة ينطبق عليه قول ستيفن كوفي في كتابه الرائع "العادات السبع" "ابدأ والنهاية ماثلة أمامك".
تعلمت أهمية الوقت من القوات الجويةº حيث يقاس الوقت بالثواني¡ ذلك أن طبيعة القوات الجوية تعني الانضباط والدقة¡ فالطائرات تقلع من قواعد مختلفة لتلتقي في نقطة محددة من فضاء واسع على ارتفاع محدد¡ وفي وقت محدد لأداء مهمة محددة.
وفي عالم الأعمال يشترك معظم الناجحين في صفة واحدة هي حسن استثمار الوقت¡ وحرصهم على تحديد أولوياتهم¡ فمن السهولة أن يضيع الوقت في أمور ثانوية قد لا تعود بالنفع على الشخص¡ وهو ما يعني أن تكون الأولويات معروفة والأهداف محددة¡ خصوصًا في هذا الوقت الذي سيطرت فيه الاتصالات على كل شبر وزاوية من الكرة الأرضية¡ ودخلت على الناس في أدق تفاصيل حياتهم. لقد أصبحت مواقع التواصل من أهم أسباب سرقة الوقت وتشتيت الانتباه بأحاديث مكررة ومعلومات غير موثقة¡ شجع على ذلك سهولة نقلها دون تدبر أو تكلفة¡ إضافة إلى ما تعج به مواقع العمل من أحاديث جانبية بين الموظفين أو عبر الهاتف¡ كما أن التسويف وتأخير اتخاذ القرار من أهم أسباب ضياع الوقت وضياع الفرص على مستوى الأفراد والمؤسسات والدول.
ورغم أهمية الاجتماعات إلا أنها تأخذ وقتًا أكثر مما يجب¡ خصوصًا حين لا يحدد وقت لبدء الاجتماع وانتهائه¡ وكل اجتماع يزيد على 45 دقيقة فيه هدر وأحاديث جانبية قد يستأثر بها من يرأس الاجتماع ويديره.
الوقت هو الحياة¡ وبودي أن أركز على النقاط الآتية:
أولًا: حين يحضر الشاب حديث التخرج إلى عمله متأخرًا وكوب القهوة في يده¡ فاعلم أنه لا يقيم وزنًا للوقت ولا للعمل¡ مرّ على كل مراحل التعليم ولم يتعلم الدرس جيدًا¡ ولن يتعلمه إلا إذا كان المعلم والأستاذ هما أكثر من يهتمان بالوقت ليكونا نموذجًا يحتذى من قبل الطالب. الأستاذ الذي يدخل المحاضرة متأخرًا خمس دقائق يعطي نموذجًا سيئًا في أهمية احترام الوقت والحضور في الوقت المحدد¡ التعليم يجب أن يكون واقعيًا¡ ويركز على ما يحتاجه الطالب في حياته وعمله بعد الجامعة¡ وأن يكون ذلك بالقدوة وليس بنصوص في المقرر¡ أو كتابات على أسوار المدارس فقط.
ثانيًا: قد لا يستطيع الشخص أو حتى الدولة أن تقوم بكل شيء في الوقت المحدد¡ لكن وضع الأولويات كفيل بالقضاء على كثير من أسباب تدني الإنتاجية أو بقاء معوقات التقدم دون حلّ¡ ويكفي أن نتذكر قانون بريتو الشهير 80/ 20¡ وهو ما يعني أن التركيز على الأهم وهو 20% يحقق نتائج بـ80%¡ فتركيز الفرد على صحته وأسرته وعمله وعطائه لمجتمعه يحقق نتائج باهرة¡ ومثلها تركيز الدولة على التعليم والصحة والبيئة ومكافحة الفقر والجهل والمرض والفساد سيحقق نتائج تنقل الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة.
الوقت هو الحياة¡ وهو الكنز الذي أهملته الغالبية¡ بل تفنن البعض في أساليب ضياعه¡ رغم أن ما نحتاجه هو وضع جدول يومي بالأولويات ثم حجز الوقت الكافي لإنجازها.




http://www.alriyadh.com/1824799]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]