مقبرة الكتب المنسية¿!(1-2)
«تلقيت هذا الصباح رسالة من وكيلين أدبيين كنت قد أرسلت إليهما المخطوطة¡ وهي عبارة عن أربع روايات ثمة محرر في باريس –أميل دو دوزيه – مهتم لإصدارها¡ كما أن محررة ألمانية – ميشي اشتراوسمان - قدمت عرضاً لنيل الحقوق»
(خ/ك)
للسرد في الأدب مكانة متميزة في سيطرتها على المبدع والمتلقي بحيث إن الكثير مما يندرج في محيط الأدب يشتمل على الرواية والقصة والمسرحية وما يشبه الحكايات¡ وهذا مستمر حتى اليوم وكذلك المستقبل¡ لأنه يتضمن في عمومه ما يجسد هموم الإنسان واهتماماته مما يجعله في تفاعل قسري إذا كانت الرغبة في محاولة معرفة ما وراء الضبابية التي تغلف بعض حواس الإنسان وهو بدوره يرى أنها خاصة به لا يمكن أن تكون لغيره¡ وبمعنى أقرب هي أسرار بين الأحاسيس والجسد تكمن طوال حياة الإنسان مطوية في عملية تتراكم مع الزمن العمري¡ وفي السرد والقصص متعة سواء قراءة وكتابة¡ أو سماعاً¡ ومشاهدة في فيلم أو مسرحية¡ أو مسلسلة حسب ما تحمله هذه الأنواع من المفاهيم التي تلتصق بالناس ويستأنسون بها¡ إذ تكون في عمومها معبرة عن أحداث تحتم التوقف عندها والتأمل في معالجتها وعرضها لها¡ ويكون التلقي حسب الأحاسيس التي تكونت لدى القراءة أو المشاهدة.
في هذا المفهوم تدخل (رباعية برشلونة) وهي رواية أتت في أربعة مجلدات حمل كل واحد منها عنوانا ًخاصاً به جاءت على التوالي (ظل الريح - لعبة الملاك - سجين السماء - متاهة الأرواح) وأسميتها رباعية برشلونة لأن معظم إن لم أقل كل أحداثها إلاّ ما ندر جرت في المدينة الإسبانية برشلونة¡ فكاتب الرواية - كارلوس زافون – لم يقطع الخيط الذي يربط بين الأربعة عناوين بحيث إن الأحداث تسير على وتيرة توحي بالتلاقي دائماً حتى لو أنّ الصورة بعدت فهي لا بد مشدودة بخيط - مقبرة الكتب المنسية - كخيط الطائرة الورقية التي يتحكم في سيرها¡ فمنذ أن صحب دانيال أباه إلى تلك الدار الكبيرة المسماة (مقبرة الكتب القديمة) واستقبلهما الحارس إسحاق وما أصابه الذهول من ضخامة المبنى وكثرة الكتب وعلّموه «أن كل هذه الكتب لا يذكرها أحد أو التي يختفي أثرها بفعل الزمن¡ تعيش هنا أبداً في انتظار اليوم الذي تعود فيه إلى يدي قارئ جديد وروح جديدة¡ نحن نبيع الكتب ونشتريها ولكنه في الحقيقة لا تنتمي إلينا «في نشوة دانيال وذهوله بالكتب أخذ يتجول ويقلب المجلدات متصفحاً ومتمعناً أحياناً وكما هو في ولع مستديم بالكتب وعرف بأن «العادة قد جرت بأن من يأتي إلى هنا للمرة الأولى عليه أن يختار كتاباً ويتبناه ويجتهد في الحفاظ عليه دائماً فيبقى حياً¡ إنه عهد في غاية الأهمية – قال والده - وهذا دورك» سرّ دانيال بكلام والده فأخذ يتجول ممعناً ومجتهداً لكي يرضي نفسه بكتاب يستحق أن يفخر به أمام أبيه والآخرين كإثبات على حسن ذوقه واختياره¡ فهجس في ذاته أنه وجد كتابه الذي كان يطل خجولاً - كوصف دانيال - بظهوره من أحد الرفوف¡ غلافه جلد قرمزي والعنوان مطبوع على ظهره بحروف مطرزة¡ تلمست تلك الكلمات برؤوس أصابعي وقرأتها بصمت (خوليان كاراكاس/ ظل الريح) أخذ يقلّبه فرحاً به كما أحس في نفسه أن هذا الكتاب يدعوه لقراءته ليستريح ويسعد بتحرره من سجن مقبرة الكتب ويستمتع بمؤانسة صديق وبنسمات الهواء العليل خارج المقبرة¡ وسيبعث فيه الروح وتعميم الفائدة المنشودة من وراء تأليف صاحبه له¡ ويستمر في إصراره على حمله معه إلى المنزل ليستمر في قراءته في ولهٍ وشغف¡ وتواصل مستمر وبمكتبة والده التجارية الذي يساعده في عملية البيع ’فجأة يسأله أحد زبائن المكتبة من كبار السن أين عثرت على هذا الكتاب¡ فيجيبه أنه سِر¡ فيبتسم أبوه ويستعين به الزبون على ابنه لكي يعيره الكتاب أو أن يشتريه فيقول الأب معتذراً هو كتابه وهو حر فيه¡ ليعود المثقف الكبير السن إلى الصغير ويسأله ماذا تريد يا صغيري¿ وكان جواب الصغير: «أريد أن أعرف مَنْ هو خوليان كاراكاس¡ وأين بوسعي العثور على أعماله الأخرى».
وفعلاً يبدأ دانيال في البحث عن كتب كاركاس ومن يكون كاركاس الذي يملأ الدنيا ويشغل الناس وهل هو حي أم ميت¿ وأين ومتى ومن يعرف هويته¿ وتسير الرباعية مع تعدد الشخصيات وتنوع الأحداث في دوران حلزوني مقلوب مرة ومرة معتل في عمليات تتماهى مع البوليسية إن لم تكن بوليسية¡ تحريات ومتابعات في سرد تسوده الشاعرية الداعية إلى المتابعة بشوق لما تحمله الأحداث من مفاجآت ومفارقات بين السياسة والمجتمع والاقتصاد¡ وفي دائرة الثقافة العامة والمعرفة الشاملة في المجالات الحيوية والإنسانية بكل وضوح.
http://www.alriyadh.com/1824793]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]