لعل كثيراً من الشباب يتعمق في التكنولوجيا حتى تسيطر على تفاصيل خواطره¡ فتبقيه في العوالم الافتراضية بعيدًا عن كلاسيكيات الآباء التي لا بد وأن تكون حاضرة وبقوة في شخصية المسلم المتحضر¡ فإن سلبية التفكير أحياناً توهم أن الماضي ليس إلا ذكريات الآباء..
يتعاقب الليل والنهار¡ ويستمر الكون في السير وفق تقدير الله بنظام محكم لا يتغير إلا تغيرًا منتظمًا يتناسق مع حركة أفلاكه¡ وفي هذا الكون وبالتحديد على سطح الأرض مخلوق اسمه الإنسان¡ لم ينتظم في حركة متناسقة ليكمل اللاحق ما بدأه السابق¡ ولكن حياة هذا الإنسان مليئة بالمفاجآت وبالتقلبات¡ وهو ما قرره التنزيل المبارك في عقيدة المسلم لكي يهيئ حاله ونفسيته لمعايشة واقعه كيف تقلب وبروح الموقن أن الأمر كله لله.
وفي التنزيل أيضًا قصص أقوام وأفراد تقلبت بهم الأزمنة ما بين فقر وغنى¡ وقوة وضعف¡ وما حال العرب قبل البعثة وبعدها إلا من هذا القبيل¡ فتلك أقوام قد ألفت وتوارثت دين آبائها¡ وظنت أن مقدساتها قد أحاطت بها حماية الآلهة فلا قوة تهم أو تفكر في تغيير الواقع فضلًا عن إحداث شيء أو التكلم بشيء في ذلك¡ ولكن في غضون عشر سنين فقط من مرحلة الدعوة النبوية تغير كل شيء¡ نعم كل شيء¡ وفي العشر التي تلتها أصبح ذلك الواقع الراسخ مجرد ماض وقصص¡ وتغيرت الحياة¡ وتغيرت معاملات وتجارات¡ وارتفع أقوام ووضع آخرون.
إن فجاءة تغير الواقع قد لامسه أهل العصر¡ وعشناه في أكثر مراحله ولا ندري ما هو آت¡ ولكن ها هو الإنسان يطير في الفضاء¡ ويعيش ساعات كاملة ما بين السماء والأرض¡ وهو لا يشعر¡ ربما أكل وشرب ونام وصلى وهو في الطائرة¡ بينما قبل سنين لم يكن مجرد التفكير إلا ضرب من الخيال¡ وها هي التكنلوجيا تقتحم الدول والبيوت والأفراد فأصبح الواقع مذهلًا¡ وأصبح هذا التغير له تأثير كبير على حياة الشعوب¡ ولما كان هذا التغير فجائيًا اصطدمت به المجتمعات وارتبك الكثير منها في تقبل الواقع الجديد وتوجيهه بما يحافظ على إيجابيات الأزمنة القريبة الماضية¡ وكان من المفترض أن تتقبله الشعوب بشيء من الذكاء والتقنين والتنسيق.
والسؤال الافتراضي¡ هل يقف هذا التغير على هذا¿ أم أن هناك أشياء ستفاجئنا وتنسينا الجلاكسيات والآيفونات والآيبادات¿
إن أشياءً كثيرة هي من صميم اسم الإنسان لا ينبغي للشعوب أن تترك التغيرات تلامسها وتغيرها¡ ولما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثته قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فمع التغير الذي فاجأ قريش وأحالهم من واقع إلى واقع مغاير تماماً¡ إلا أن هناك أشياء كانت فيهم لم يتعرض الإسلام لها بالتغيير بل ثبتها وجملها وزينها¡ مثل الصدق والأمانة والكرم¡ والنجدة¡ وصلة الأرحام وبر الوالدين والإحسان إلى الجار وإكرام الضيف وابن السبيل¡ كل تلك المعاني استمرت في الواقع الجديد¡ لأن الإنسان في كل الملل والأديان مأمور أن يحافظ على تلك المعاني¡ وهو ما ندعو شبابنا وأبناءنا وبناتنا إلى التمسك والإبقاء عليه في معاملاتنا مهما كانت تلك التغيرات التي تداهمنا¡ ولعل كثيراً من الشباب يتعمق في التكنولوجيا حتى تسيطر على تفاصيل خواطره¡ فتبقيه في العوالم الافتراضية بعيدًا عن كلاسيكيات الآباء التي لا بد وأن تكون حاضرة وبقوة في شخصية المسلم المتحضر¡ فإن سلبية التفكير أحياناً توهم أن الماضي ليس إلا ذكريات الآباء¡ وبذلك يقضي على كثير من الأخلاقيات التي لا تؤخذ إلا مناولة من جيل إلى جيل¡ فإن الصدق مثلاًº تقرأ فيه القصص¡ وتحفظ فيه الأشعار وتضرب فيه الأمثال¡ ولكن لا يغني ذلك عن مجالسة الصادقين والتأثر بسماتهم¡ والمسلم في كل زمان وعلى كل حال مهيئ نفسه للتنقل بين تقلبات الأزمنة ولكن يبقى هو المسلم الإنسان¡ وتبقى القيم مما يجب أن يحفظ ويصان مهما تطورت الحياة¡ وتغيرت التقنيات. هذا¡ والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/1827559]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]