تتعدد تعريفات الذاكرة التاريخية بتعدد زوايا النظر إليها¡ ويهمني هنا الذاكرة التاريخية في بعدها الاجتماعي¡ حيث يمكنني تعريفها بأنها تلك الأحداث التاريخية المشتركة التي تتقاسمها مجموعة بشرية معينة على امتداد نطاق زمني معين¡ ولا يشترط أن تكون كل هذه الأحداث إيحابية وسعيدة¡ بل قد يكون بعضها حزيناً وسلبياً¡ وتعتمد ذاكرة الفرد في تذكر هذه الأحداث على ذاكرات غيره من أفراد المجموعة¡ يقول دوركايم في كتابه "الأطر الاجتماعية للذاكرة": "عندما أتذكر فإن الغير هو الذي يدفعني إلى ذلك فذاكرتي تعتمد على ذاكرته¡ وذاكرته تعتمد على ذاكرتي". هذا التذكر الجمعي يعني استشعار التجربة الحياتية المشتركة وكذلك الإحساس بوحدة المصير¡ وهذا يعني ربط أفراد المجتمع برابط تاريخي ونفسي قوي يصعب اختراقه. فماذا يعني كل هذا للدولة الوطنية في عالمنا المعاصر¿ إن فلسفة الدولة الوطنية (national state) قائمة في الأساس على وجود مجموعة بشرية بروابط تاريخية وثقافية يقيمون على أرض معينة¡ ولم تواجه الدولة الوطنية سابقا إشكالات تتعلق بهذه المشتركات بين سكانها. ولكن مارد العولمة وبكل تجلياته الذي تجاوز الجغرافيا بدأ يسطو كذلك على التاريخ. فتنميط الثقافات الوطنية وقولبتها في شكل ثقافة عالمية واحدة يهدد بخطر ذوبان هذه الثقافات¡ والذوبان لن يتم إلا مع ضعف الذاكرة التاريخية الوطنية أو تلاشيها¡ وتزداد هذه الخطورة مع الأجيال الجديدة لسبب بسيط¡ وهو أن الذاكرة التاريخية تعمل بكل مقوماتها على امتداد جيل واحد¡ ولكنها بحاجة إلى تحديث عندما يراد نقلها إلى جيل آخر¡ فليس من المنطق أن تبني ذاكرة شاب اليوم بنفس المادة التي شكلت ذاكرة والده¡ وهذا التحديث أصبح ضمن مسؤوليات الدولة¡ ولا بد أن يتم عبر مؤسسات مختصة¡ يقودها أصحابُ فكر مخلصون.
http://www.alriyadh.com/1831289]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]