في المقال الماضي¡ تحدثتُ عن نموذج التحول المستمر (الابتكار¡ التغيير¡ الديمومة)¡ وعرضت لأمثلة مقتضبة من عناصر التحول التي وجدتها من تاريخ المملكة بمناسبة اليوم الوطني التسعين. وتاريخ المملكة منذ الدولة السعودية الأولى حتى اليوم مليء بالدروس التي تبرهن على أهمية التحول المستمر¡ وكيف أن النموذج طبق في مواضع مختلفة من هذا التاريخ بنجاح.
كانت نهاية الدولة السعودية الأولى نتيجة تدخل خارجي تخللته معارك كانت محصلتها سقوط الدولة وهدم عاصمتها "الدرعية". كانت الدولة قد ابتكرت نموذج حكم مركزي نجح في تحقيق مكاسب امتدت ثمراتها إلى أغلب الجزيرة العربية. وكان النجاح الذي حققته الدولة مرتبط بالنجاح التطبيقي المستمر أو الديمومة من منظور نموذج التحول المستمر. إنما بعد دخول مكة والمدينة في الحكم السعودي¡ كانت التحولات الخارجية¡ ومصدرها الحكم العثماني بالخصوص¡ تتفاعل مع المستجدات حتى تبلورت عن الحملة العسكرية¡ لم يقابل التحولات السياسية الخارجية تحولات داخلية تتناسب معها¡ حيث كان التوسع المستمر الذي حققته الدولة يتطلب تغييرا يتناسب مع الأثر الذي أحدثته. بعد سقوط الدرعية¡ قامت الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله في فترة وجيزة¡ ولقرب عهد الإمام تركي من العهد السعودي الأول¡ فقد انعكست تجربته على شكل الدولة الجديدة. فقد استردت الدولة السعودية الثانية نطاق حكمها السابق لكنها توقفت عن دخول مكة والمدينة. فكان دخول مكة والمدينة في العهد السعودي مرة أخرى يعني عودة الحملات العسكرية¡ حيث كان التحول الذي حققته الدولة السعودية الثانية في المحافظة على المكتسبات ودرء أسباب التدخل الخارجي¡ وبذلك تكون الدولة السعودية الثانية حققت ديمومة في بناء الدولة على أسس الدولة السعودية الأولى مع تغيير يتناسب مع الظروف السياسية في تلك الحقبة.
بمقارنة تجربة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية¡ نجد أن التجربة حققت في مجملها عنصر الديمومة لأنها قامت على أسس ثابتة من العقيدة السليمة والحكم الرشيد¡ كما واجهت الدولة السعودية الثانية الواقع واستفادت من التجربة الأولى فأحدثت تغييرا في خريطتها السياسية. هنا تبدو المفارقة¡ حيث لا تتحقق الديمومة إلا بقدر من التغيير¡ وهو ما يتطلبه الواقع استجابة لمؤثراتهº لذلك لا يصلح أن يكون الأمل استراتيجية¡ حيث يضع غشاوة على ما يتطلبه الموقف من معالجة.
إن اعتماد الابتكار والتغيير محورين للمحافظة على الديمومة¡ كلاهما أو أحدهما¡ هو عمل لإعادة تعريف الوسائل التي تحقق بها الأهداف¡ فقد يعمل التغيير وحده في معالجة الموقف¡ وقد يكون تغييرا طفيفا ومحدود النطاق¡ وقد يتكرر حتى يحقق غايته بالوصول إلى نقطة استقرار جديدة.
إن التجربة السعودية عبر تاريخها الطويل غنية بالأمثلة التي تتطابق مع مكونات نموذج التحول المستمر لأنها تجربة قامت على مبادئ راسخة سخرت مواردها وأهدافها للمحافظة عليها¡ فقدت حققت ديمومة القيم بتسليط وسائل الابتكار مع إرادة التغيير للمحافظة عليها.
http://www.alriyadh.com/1845741]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]