قدمت في مقالات سابقة نموذج التحول المستمر المكون من ثلاثة أعمدة: الابتكار¡ والتغيير¡ والديمومة. وإذا امتزجت الأعمدة الثلاثة أو تقاطعت¡ فإنها تولد منهج عمل يدفع بالفرد والمؤسسة للنمو والتميز¡ فالتطوير يتطلب الابتكار والتغيير معاً¡ فمن دون وجود رغبة في التغيير وقدرة على إدارته¡ فسيبقى الابتكار فكرة ليس لها تأثير تطفو بين مئات الأفكار الأخرى¡ وإن ضم الابتكار إلى التغيير¡ فقد ينجح الابتكار ويثبت فاعليته إنما يبقى بحاجة إلى الديمومة ليستمر¡ وإذا تحققت العناصر الثلاثة فهل تنتهي القصة عند ذلك¿ بكل تأكيد لا¡ إنما تكون حققت الدورة الأولى من عجلة الابتكار.
على المؤسسة¡ والفرد باعتباره البنية الأساسية لها¡ أن تكون دائمة التجدد كالنهر الجاري¡ ولتحقيق ذلك عليها أن تدير عجلة الابتكار باستمرار وإلى ما لا نهاية¡ في المؤسسات التي ليس للابتكار فيها مكان¡ ستدور العجلة مرة ببطء وتتوقف لفترة طويلة حتى تدور مرة أخرى دون سابق علم أو نية¡ تتحرك الأمور عشوائياً¡ فيتسرب الابتكار من شقوق العوازل الخرسانية التي تفصل المؤسسة إلى أجزاء صغيرة يسهل التحكم بها¡ ويحدث التغيير لوجود فراغ بحاجة أن يملأ¡ إلى أن يدخل في عادات المؤسسة اليومية¡ وتعود الأمور إلى الركود من جديد¡ ولأن الابتكار لا يولد كاملاً¡ حيث يعتوره النقص كما هو متوقع إما لضعف أصيل فيه أو لعدم اكتمال عناصر تنفيذه¡ فإن تطبيقه بكل ما فيه من نقص والاستمرار في ذلك دون تصحيح¡ يؤدي لنتائج عكسية ربما أهونها فقد الثقة في الجدوى من التغيير.
ولأن المؤسسة التي لم تعتد على أن ترى عجلة الابتكار تدور¡ ستظن أن دورانها بين الفينة والفينة كاف¡ ولأن التحول المستمر طارئ عليها¡ فإنها ستستنكر دعوى التحول باعتباره اقتلاعاً من الجذور ومفارقة للمبادئ¡ فكما كان المحرك البخاري بحد ذاته ابتكاراً أدخل المجتمع المعاصر إلى عصر الآلة كما يسمى¡ فإن المحرك الابتكاري الذي يدور بعجلة معنوية سيظل مدهشاً لكل من لم يره يدور في حركة دؤوب من قبل¡ وقد يبدو للناظر غير المجرب عشوائياً¡ يجري دون هدف واضح¡ إن النظر إلى التحول المستمر بعناصره الثلاثة من منظور المحرك المعنوي¡ تقاس كفاءته بقدرته على الدوران السريع¡ يعيد النظر في مفهوم التقدم¡ فبدل أن يقاس التقدم بالمسافة¡ كما يقاس سباق المسافات الطويلة¡ فإن التقدم يقاس بالسرعة دون المسافة¡ فلا يهم إن كان التقدم مرتبطاً بالتغيير أو بالثبات¡ إنما يقاس بالقدرة على الخروج من الثبات إلى التغيير والعودة إلى الثبات مرة أخرى¡ بوعي عميق وهدف معلوم¡ وبذلك يكون التحول المستمر مرتبطاً بمقياس ذاتي¡ أساسه المقارنة على خط تاريخي عمودي دون المقارنة بالضرورة أفقياً مع الآخر¡ إن منظور العمل المؤسسي باعتباره آلة يفتح أفقاً جديداً لموقف المراقب لها¡ ويضع عليه تحدياً لإدارتها كما لو كانت آلة فعلاً.




http://www.alriyadh.com/1857153]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]