لا يقتصر مفهوم السمع والطاعة لولي الأمر على مجرد الكف عن مخالفته الصريحة العلنية¡ بل يتضمن أشياء كثيرة¡ وضابط الطاعة أن يلتزم بكل ما من شأنه تطبيق رؤية ولي الأمر على الوجه اللائق الذي يقصده¡ وأن يكف عن كل ما من شأنه أن يعرقل جهود الدولة في تسيير شؤون الحياة..
لا يمكن أن تتسق الأمور لو اتَّسمت بالفوضى والارتجالº نظراً إلى تباين رغبات البشر واختلاف تصوراتهم للأمور¡ وتباين محطات أنظارهم في الأمور¡ ولو ساغ لكل أحد منهم أن يفعل ما يراه لم تستقم الحياة في الدنياº ولذلك كلَّف الله تعالى بعضَ الناس بالنظر إلى مصالح غيره¡ وذلك النظر منه خاصٌّ كنظر الوالد لولده¡ ومنه عام كنظر السلطان لرعيته¡ ولما كان نظر الراعي الخاص أو العام مبنيّاً على تحصيل مصالح المنظور له ودفع المضارِّ عنه¡ أوجب الله تعالى على المنظور له السمع والطاعةَ لوليِّ أمرهº لأن المولَّى عليه مكفيٌّ مؤونةَ اتخاذ القرار في الشؤون التي وُكل أمرها إلى ولي أمره¡ والناس فيما يتعلق بواجب السمع والطاعة أنواع¡ فمنهم من يلتزم به ويجعله نبراساً يستضيء به في حياته¡ وهذا من صميم منهج السلف الصالح¡ ولا تخلو مختصرات العقيدة من تأكيد هذا الأمر¡ ومنهم من لا يقدره حق قدره¡ وتلك لوثة خارجية¡ وفيها تجاهل واضح لنصوص الشرع الموجبة للسمع كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)¡ وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: «بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره¡ وألا ننازع الأمر أهله¡ وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا¡ لا نخاف في الله لومة لائم» متفق عليه¡ ومنهم من لا يتجاهل واجبَ السمع والطاعة ولا يتمرَّد عليه¡ لكن تنقصه النظرة الصحيحة إليه فيتخبط فيه بغير قاعدة مطردة تحكم تعامله مع الأمر¡ فكان من المهم التنبيه على أمور قد تلتبس على مثل هذا في وقفات:
الوقفة الأولى: لا يقتصر مفهوم السمع والطاعة لولي الأمر على مجرد الكف عن مخالفته الصريحة العلنية¡ بل يتضمن أشياء كثيرة¡ وضابط الطاعة أن يلتزم بكل ما من شأنه تطبيق رؤية ولي الأمر على الوجه اللائق الذي يقصده¡ وأن يكف عن كل ما من شأنه أن يعرقل جهود الدولة في تسيير شؤون الحياة¡ وليس هذا بالأمر المتعسر بل هو ميسور يحصل - بإذن الله - باتباع الأنظمة المقررة واحترام التوجيهات التي تصدر من الجهات المعنية¡ ولو افترض أن شيئاً من ذلك التبس على من لا خبرة له بالأنظمة¡ فمتاح له الاستفسار وأخذ التوجيه المناسب من قِبَلِ أهل المعرفة أو من الجهة المسؤولة نفسها¡ فلا عذر لمن يتخبط في اتباع النظام بحجة عدم امتلاك خلفية عن تفاصيله.
الوقفة الثانية: من صور الإخلال بالسمع والطاعة الانضمام إلى فئة أو تنظيم ذي أفكار سياسية¡ ولا سيما إذا تضمن ذلك بيعة رأس ذلك التنظيمº فبهذا تتفاقم المخالفةº لتضمنها عقد البيعة لغير ولي الأمر¡ ومعلوم ما في ذلك من الإخلال بركيزة مهمة من ركائز الدين¡ ولا يخلو فاعله من أن يدعي أنه جمع بين بيعتين في عنقه بيعة سلطان المسلمين¡ وبيعة قائد تنظيمه¡ وفي هذا تلاعب لا يقره الشرع¡ وإما أن يكون قد نوى فسخ الأولى الواجبة وإحلال هذه المبتدعة محلها¡ وفي ذلك جمع بين ترك الواجب وفعل المحرَّم.
ومن أنواع الإخلال بالسمع والطاعة الافتيات على ولي الأمر في اتخاذ موقف معين تجاه الأمور العامة مما يحدث في الداخل والخارج¡ ومن تعاطى هذا فقد تسوّرَ على وظيفة مختصة بولي الأمر¡ وارتكب تجاوزاً يترتب عليه الكثير من المفاسد العامة¡ وإذا كان الافتيات على ولي الأمر في الإخبار بالمهمات مذموماً بقوله تعالى: (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فما بالكم بالافتيات عليه في اتخاذ الموقف.
الوقفة الثالثة: من أنواع الإخلال بالسمع والطاعة التشغيب على قرارات الدولة والامتعاض منها¡ والانشغال بتفسيرها على غير وجهها¡ ومن المهم التفريق بين الاسترسال في هذا وبين عرض الرأي والمشورة على الوجه المناسب¡ فبين الأمرين فرق كبير¡ فالتشغيب المذموم لا يصدر من ذي رأي يمكن أن يعتدَّ به¡ ولا يعرض بأسلوب سليم يمكن أن يستفاد منه¡ وبهذا يكون خالياً من الإيجابية متضمناً محذورات يلزم تجنبها¡ وقد غاب على من يتعاطى ذلك أن الواجب الثقة التامة بولي الأمر¡ ومقتضى ذلك الركون إلى ما اختاره والأخذ بما قرره¡ وما من جهة رسمية إلا ولها آليات متاحة يمكن من خلالها اقتراح الأفضل وتقديم المشورة بشروطها وضوابطها المتعلقة بصحة المضمون وسلامة الأسلوب¡ وهي تتقبل ذلك بصدر رحب.




http://www.alriyadh.com/1857949]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]