في كل مرة أعود فيها إلى كتب الأدب القديم¡ أفتّش عن أثرٍ رسائلي نسائي¡ فلا أكاد أعثر على شيء ذي بال¡ فكّرتُ هذه المرة بأن أعود إلى كتابين مهمين (قديم وحديث) علني أهتدي من خلالهما إلى ما يفيد¡ فعدتُ إلى (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني¡ و(جمهرة رسائل العرب) لأحمد زكي صفوت¡ وبعد لأيٍ وجدتُ ضالتي رغم صعوبة البحث ومشقته¡ وطول طريقه ووعثائه¡ وقد صُدمتِ لما رأيتُ الأمر قد كلفني البحث في كتابٍ ضخم يقع في خمسة وعشرين مجلداً (الأغاني)¡ وآخر يقع في أربعة مجلدات (الجمهرة)¡ ومع هذه الوفرة من المجلدات¡ وعلى الرغم من أن (جمهرة الرسائل) تحيل على مصادر عديدة ومتنوعة غير (الأغاني) فإن البحث عن المرأة المترسلة في الأدب العربي القديم يكاد يكون أمراً شحيحاً إن لم يكن نادراً جداً.
على أن مدار الأمر ومثار استغرابه ليس في غزارة المجلدات أو نزارتها¡ ولكنه في الحقيقة كامن في غياب المرأة المترسلة عن المشهد الأدبي قديماً¡ وهو غياب يندرج ضمن سلسلة غيابات أخرى قد تكون أكثر¡ أو أقل¡ وقد لوحظ ذلك الغياب على مستوى الشعر الذي يعد أكثر وهجاً¡ كما لوحظ على مستوى النثر الذي يعد نوعاً ما أخف إذا لم نركز الضوء على الأمثال التي حضرت فيها المرأة حضوراً جيداً¡ ومع ذلك كان حضوراً لا ينفك عن الشعر في أكثر الحالات¡ ولا سيما أن كثيراً من الأمثال كانت تنشأ في حضن الشعر¡ وربما كانت تولد منه.
أما كتاب (جمهرة الرسائل) فقد جمع المؤلف فيها رسائل كثيرة¡ كان نصيب المرأة منها قليلاً جداً¡ حيث ساق الجامع بضع رسائل لأمهات المؤمنين كأم سلمة¡ وعائشة رضي الله عنهما¡ غير أن تلك المكاتبات نشأت في ظروف تواصلية خاصة¡ وقامت في أكثرها على التوجيه¡ ومع ذلك فهي تكشف عن بدايات الترسل الوظيفي والفني لدى المرأة.
لكننا إذا مضينا قليلاً نحو العصر الأموي نجد امرأة تكتب رسالة شعرية إلى زوجها¡ وكان مع الحجاج يحضر طعامه وهي في سوء حال¡ فكتبت إليه تستهجنه¡ ثم نمضي قليلاً إلى العصر العباسي الأول فنجد رسالة استعطاف بعثت بها السيدة زبيدة إلى المأمون يمكن أن نعدها من روائع أدب الترسل النسائي قديماً¡ ثم نجد في العصر العباسي الثاني¡ وتحديداً في أواخر القرن الثالث الهجري كتاباً من أم الشريف إلى ابن أخيها تنصحه¡ وقد أعجب الخليفة المعتضد بالله بأسلوبها.
وبعيداً عن الإطار السياسي الذي نشأت فيه رسالة المرأة قديماً فإننا نجد في رسائل (عريب) إلى (إبراهيم بن المدبر الكاتب) التي وردت في (الأغاني) أثراً رسائلياً يمكن الوقوف عنده¡ وتأمله¡ وإن لم تكن تلك المكاتبات غزيرة¡ غير أنها تكشف عن شكل آخر قد يضيف إلى أدب الترسل النسائي قديماً¡ وينبئ عن الملامح الأولى لذلك النوع من الأدب الذي ما زال بحاجة إلى مزيد عناية واهتمام.




http://www.alriyadh.com/1858250]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]