قبل وقت قريب كان الاستثمار الأجنبي مُحارباً¡ حيث كان مُنظرو هذا الرأي يجدونه طريقة جديدة للاستعمار¡ ونهب ثروات البلاد دون الدخول في حروب¡ والتحكم في سياساته الاقتصادية والنقدية. آما الآن فتهافتت الدول بِعّدة أشكال¡ لجذب الاستثمار الأجنبي¡ لما وجدوا فيه من فوائد على اقتصاد البلد¡ واستغلالاً أمثل لموارده الطبيعية والبشرية.
بين هذا الرأي وذاك¡ كان هناك رابحون من دخول المستثمر الأجنبي¡ وهناك خاسرون.
إن من المؤكد أن أيّ استثمار أجنبي لا يخلق وظائف في الاقتصاد¡ ولا يقوم بتصدير ما يُنتج¡ ولا يُعيد تدوير جزء من أرباحه داخل الاقتصاد الوطني¡ ولا ينقل تقنية¡ أو يوطن معرفة¡ فهو بمثابة دم فاسد يجري في شرايين الاقتصاد الوطني¡ لأن مثل هذه النوعية من الاستثمارات تقوم بتدمير الصناعات المحلية¡ وتستهلك موارد الدولة الطبيعية¡ وتُلغي الوظائف.. للتدليل على ذلك¡ رصدت إحدى التقارير الدولية اتخاذ ما يقارب من 70 دولة عدداً من الإجراءات والسياسات بسبب جائحة "كوفيد - 19" للحد من استحواذ الشركات الأجنبية على شركاتها ومصانعها الوطنية¡ كما أن الجائحة أثرت كثيراً على تفاوض الدول بشأن الاتفاقيات الاستثمارية الدولية¡ بل ربما تتسبب في إعادة التفاوض على ما هو معمول به حالياً ومُتفق عليه.
بنظرة سريعة على تدفقات الاستثمار عالمياً مُقارنين عام 2019م¡ بعام 2018م¡ سنِجد أن أميركا تراجعت - وبشكل دراماتيكي - الاستثمارات الخارجة منها¡ حتى أصبحت رقم 162¡ بينما كانت اليابان في المركز الأول¡ والصين ثانياً¡ تلتها فرنسا¡ ثم هونغ كونغ رابعاً¡ وجاءت ألمانيا خامساً. من جهة أخرى¡ كانت الولايات المتحدة الأميركية الوجهة الأولى عالمياً في استقطاب الاستثمارات الأجنبية¡ تلتها الصين¡ ثم ثالثا جاءت هولندا¡ ثم هونغ كونغ رابعا وخامسا أتت سنغافورة. لا شك أن سياسات الولايات المتحدة الأميركية الأخيرة¡ أتت أُكلها بالحِّد من تدفق الاستثمارات الخارجة منها¡ وجذب استثمارات جديدة أو التوسع فيما هو موجود.
وحتى نكون في السعودية - وبعد إنشاء وزارة تختص بشؤون الاستثمار تشريعاً وتنظيماً وترويجاً - من المستفيدين في المرحلة القادمة¡ خصوصاً لما بعد جائحة كورونا¡ فعلينا إدراك أن الاستثمارات القادمة لن تكون مُعتمدة - أساساً - على رُخص الأيدي العاملة¡ أو توافر الموارد الطبيعية وانخفاض تكلفتها¡ بل ستكون مُعتمدة على توجه وتوافر التكنولوجيا وتطورها - من خلال الروبوتات وتعزيز رقمنة سلاسل الإمداد والتصنيع - والتي ستُشكل معالم الإنتاج الدولي القادم. هذا بلا شك يعد تحدّيا كبيرا¡ يحمل في طياته العدّيد من الفُرص. كما أنه من الحاجة بمكان¡ تحفيز الاستثمارات الصناعية النوعية والمرتبطة بالتصدير¡ كذلك إعادة توجيه استراتيجيات تشجيع وتيسير الاستثمار نحو الاستثمارات التي تحقق الأهداف والمُستهدفات¡ مع إيجاد اتفاقيات استثمار إقليمية تخدمها هذه الأهداف والمُستهدفات. علاوة على ذلك قد تُعطينا تداعيات هذه الجائحة فرصة مُثلى¡ لإعادة رسم وصياغة سياساتنا النقدية لتخدم الاستثمارات المحلّية¡ وتجذب الأجنبي منها¡ ومن ذلك العُملة الرقمية¡ التي ستكون فرس رهان¡ وعامل تمكّين¡ وميّزة جاذبة.
ختاماً.. يجب منع أي استثمار أجنبي يدخل الاقتصاد برأسمال ما¡ ويخرج وقد ضاعف ما استثمره أضعافا مضاعفة¡ دون تحقيق ما ذكرنا أعلاه من فوائد وأهداف.
مُختص بالأعمال الدولية والشراكات الاستراتيجية




http://www.alriyadh.com/1860222]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]