الرسالة المحورية التي من المهم على الرأي العام الوطني إدراكها من تبعات دخول الحكومة السعودية سوق اليورو، تتمثل في عدة مُحددات استراتيجية، منها: التوسع في قاعدة المستثمرين بشكل عام، والمستثمرين الأوروبيين على وجه الخصوص، خاصة أن بعض المستثمرين سواءً في الأسواق الناشئة أو الدولية لا يستثمرون إلا في عملة اليورو..
دعونا نتفق بداية أن الرؤية السعودية 2030، استطاعت أن تُعيد الهيكلة العامة للدولة والهيكلة المالية على وجه الخصوص، من خلال برنامجيها التنفيذيين ذوي العلاقة، الممثلان في "تطوير القطاع المالي" و"تحقيق التوازن المالي"، وهو ما ساعد فعليًا على دعم تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر دخله، وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمار، واستشراف الأداء المالي، بهدف تعظيم الإيرادات النفطية وغير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وإدارة المخاطر المصاحبة لذلك، مع الاحتفاظ باحتياطيات مالية مناسبة وقدرة عالية مستدامة على الاستدانة من الأسواق المالية المحلية والدولية وفقاً لاستراتيجية الدين العام متوسطة المدى.
وانطلاقًا من الحيثيات الماضية، وفي خطوة تاريخية غير مسبوقة، استثمرت المملكة العربية السعودية فرص اقتصادات العالم بدخولها الثاني لسوق اليورو الأوروبي -ثاني أكبر سوق بعد سوق الدولار الأميركي- بإصدارها أكبر شريحة أصدرت بالسالب خارج الدول الأوروبية لثلاث سنوات، بعدما قام المركز الوطني لإدارة الدين في وزارة المالية، بإقفال طرحه الدولي الثاني المقوم باليورو، ضمن برنامج حكومة المملكة الدولي لإصدار أدوات الدين، والإعلان عن الإصدار صباح يوم الأربعاء 24 فبراير 2021، وإغلاقه في اليوم نفسه، ويأتي ذلك تماشياً مع تنفيذ إصدارات السندات السيادية الأوروبية والسماح بجذب أقصى طلب من المستثمرين، وبحمد لله جرى جمع ما يقدر بـ 1,5 مليار يورو من الاكتتابات، ليغلق بذلك باب الاكتتاب في ثاني إصدار دولي مقوم باليورو على مستوى تاريخ المملكة، وهو مقسم على شريحتين، الشريحة الأولى مليار يورو لسندات 3 سنوات استحقاق عام 2024 بعائد سلبي يقدر بنحو (0,06-
%)، ونصف مليار يورو لسندات 9 سنوات استحقاق عام 3030 بعائد أقل من 1 %.
وأستطيع تفسير هذا الإقبال وانعكاسه على ثقة المستثمرين بقوة الاقتصاد السعودي، فالمحافظ الدولية أصبحت على دراية كاملة بالجدارة والقوة الائتمانية للمملكة منذ إصدار أدوات الدين الدولية في 2016. ويُعد هذا الإصدار الدولي الثاني لعام 2021 بعد أن أصدرت المملكة في شهر يناير 5 مليارات دولار.
ويُعد الإصدار الثاني المقوم باليورو، أكبر الإصدارات على الإطلاق التي تم تسعيرها بعائد سلبي من المصدرين خارج دول الاتحاد الأوروبي "كوريا الجنوبية - جمهورية الصين"، وأيضًا ثاني أكبر عائد سلبي تم تحقيقه مقارنة بدول الأسواق الناشئة، كما أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة العربية السعودية.
وأثبتت الطلبات العالية جدًا، القوة السيادية المملكة العربية السعودية، وتمكنها من دخول أسواق مختلفة من دون أن يؤثر ذلك في أسعار الدين على المدى البعيد، مع إمكانية تنوع مصادر التمويل، وتوطيد وبناء العلاقات الاستراتيجية.
ربما الرسالة المحورية التي من المهم على الرأي العام الوطني إدراكها، من تبعات دخول الحكومة السعودية سوق اليورو، تتمثل في عدة مُحددات استراتيجية، منها: التوسع في قاعدة المستثمرين بشكل عام، والمستثمرين الأوروبيين على وجه الخصوص، خاصة أن بعض المستثمرين سواءً في الأسواق الناشئة أو الدولية لا يستثمرون إلا في عملة اليورو، ومن فضل الله على مملكتنا أنها أول دولة خليجية تصدر سندات بعملة اليورو في العام 2019.
والجميل في الأمر، أن الوسائل الإعلامية الاقتصادية المتخصصة الأوروبية والدولية، رصدت أفعال المستثمرين من دخول السعودية سوق اليورو، والتي كانت إيجابية بنسبة عالية جدًا، خاصة حول جهودها الملحوظة في المجالات الثلاثة الرئيسة "البيئية، والاجتماعية، والحوكمة"، لذلك ينظر بعض المستثمرين إلى أهمية المملكة في السوق الأوروبية، وعدّها كمرجع للمنطقة بشكل كامل.
ومن وجهة نظري المتواضعة، سيكون للخطوة السعودية الأخيرة تبعات مهمة، ولعل أهمها أنها ستفتح المجال واسعًا في زيادة حجم قطاعنا المالي، وتنوع مصادر التمويل، ورفع مستوى الشمول المالي، والوصول بمشيئة الله إلى الاستقرار المالي المُستدام، وتأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد مع مخاطر تتوافق مع سياساتنا المالية، وتحقيق استدامة وصول المملكة إلى مختلف الأسواق العالمية وبتسعير عادل. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/1872417]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]