البياض الناصع جميل. إنه علامة صفاء، أمارة طهارة. لكن البياض يخيف أحياناً! إن من يكتب أو يريد الكتابة يتهيب منظراً واحداً: صفحة بيضاء!
هذه تكثر خاصة في من لا يمارس الكتابة كثيراً، حتى الكاتب المحترف الذي يتوقف عن تمرين عقله بالكتابة كل يوم يأتيه هذا الشعور، فإذا أمسك القلم ونظر للورقة الفارغة شعر بالعبء وبنوع من التهديد، وكأن الورقة تتحداه. الرسام حينما يشعر بفورة من المشاعر يريد التعبير عنها بالرسم، فينظر للوحة البيضاء البريئة وكأنها فم وحش. يجب أن يرسم ويبدع ولكن ثقل الإحساس بوجوب الإبداع له هيبته. تتخيل كيف شعر حتى عظماء الفن مثل مايكل أنجلو لما وقف أمام مكعب رخام أبيض ناصع، ينتظر المكعب اليد الماهرة التي ستصنع منه أعجوبة جمالية. الفنانون البارعون والعباقرة يأخذون حرفهم على محمل من الجد هائل حتى ليكاد يكون عملاً شاقاً في بعض الأحيان أكثر من هواية وشغف.
لو لم تكن كاتباً أو نحاتاً أو رساماً فربما تعرف بعض هذا الشعور لما أتاك سؤال لا تعرف إجابته، فتمسك القلم وتنظر للمساحة البيضاء الكبيرة المتروكة للإجابة وتشعر بالهيبة ثم الإحباط! وقد أتاني هذا الشعور من قبل في بعض الاختبارات، خاصة لما فاجأنا المدرس بأسئلة من خارج المنهج، وكأني أشعر بذبذبات الحيرة تدور وتجول وتطير في سماء الفصل. هنا كان تهديد الفراغ الأكبر أقل قليلاً لأنه اشترك معي فيه الآخرون، "حشرٌ مع الناس عيد" كما يقال!
لكن لا أهيبَ من أن تكون تعمل عملاً فردياً إبداعياً، فتمسك القلم أو الريشة أو الفرشاة أو مطرقة النحت أو أياً كانت أداة إبداعك، وتلتقي عيناك مع كراسة الكتابة أو لوحة الرسم أو رخامة النحت، ولا ترى إلا بياضاً ناصعاً، في تلك اللحظات يتحول لون البراءة والنقاء إلى لونٍ يثير القشعريرة!
http://www.alriyadh.com/1872655]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]