قضيت الأيام الماضية أقرأ باستمتاع واستفادة كتاب المخرج الروسي الكبير أندريه تاركوفسكي النحت في الزمن. أتحدث كثيرا عن عظمة التكنولوجيا والفائدة الكبيرة التي أجدها فيه، لا أمل من الحديث عن هذا الموضوع؛ لأنني مع كل قراءة في كتاب أكتشف هذه الفائدة العظيمة، مع كتاب النحت في الزمن والذي كان يتحدث عن فن السينما وجدتني كلما ذكر اسم مخرج بحثت عنه وكلما تحدث عن فيلم بحثت عنه في النت وشاهدته لو كان متاحا. بهذه الطريقة تمكنت من مشاهدة ثلاثة أفلام لتاركوفسكي وفيلم لمخرج إسباني ذكر أنه كان معجبا بطريقته في الإخراج، بقي أن أشاهد أفلام بيرجمان، وهو مخرج سويدي معروف يقول عن تاركوفسكي إنه من أهم المخرجين في زمننا، يقصد طبعا القرن العشرين.
أكثر ما يشد في الكتاب هو أنه لا يتحدث بلغة سينمائية بحتة، بل يتحدث بلغة أدبية، ويتحدث عن الفن بشكل عام، لا شك أن ترجمة أمين صالح وهو الأديب والفنان ساعدت على أن يكون الكتاب جذابا ومقروءا. وربما ساعد أيضا أن تاركوفسكي ابن لشاعر كبير هو ارسني تاركوفسكي، والذي استخدم ابنه قصائده في أفلامه، بصورة بديعة وغاية في الجمال.
ربما كون المخرج ابنا لشاعر جعله يحمل داخله هذا الكمال الذي حاول أن ينقله للسينما، لعالم الأفلام، حيث حاول أن يجعل الصورة جميلة، ممتعة، تحكي قصة، تعبر عن مشاعر وفي ذات الوقت هي محملة بأسئلة إنسانية كبرى.
"ألتقي بأفراد مارس فيلمي تأثيرا عليهم، أو أتلقى منهم رسائل تبدو أشبه باعترافات خاصة وحميمة، عندئذ أفهم لماذا ولمن أحقق أفلامي، وأصبح مدركا لمهمتي الإحساس بالواجب والمسؤولية تجاه الناس".
بالرغم من إيمانه العميق بالواجب والمسؤولية تجاه الناس لكنه يؤمن في الوقت ذاته بالرؤية الذاتية للفنان وإدراكه الخاص للعالم، هذه هي المعادلة التي تخلق الفن العظيم، أن يكون العمل الفني للناس لكن من وجهة نظر خاصة، وبصيرة حادة تعود للفنان من دون شرط أو إملاء أو محاولة مجاملة جمهور أو فكر سائد.
والاقتباس التالي سيوضح فكرته "إذا استطاع المنظر المختار أن يحرك مشاعر المبدع ويستحضر ذكرياته ويقترح تداعيات حتى وإن كانت ذاتية، فإن هذا بدوره سوف يؤثر في الجمهور ويحرك مشاعره".
هذا الكتاب يحمل أفكارا وربما منهجا مهما لكل مبدع، وليس فقط للسينمائيين، وبإمكاني أنا التي أكره الوصايا أن أوصي به لكل مبدع، وللمعهد الذي سيقام للسينما كي يكون أحد الكتب المقررة للدراسة. كتاب مليء بالأفكار والشعر والفن.
http://www.alriyadh.com/1872999]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]