اُتُّهمَت جائزة البوكر البريطانية "بالابتعاد عن معايير النقد الأدبي والفني والانحياز فقط إلى قدرة النص المرشح لأن يُقرَأ من قطاع واسع من الجمهور تحقيقا للرواج التجاري" ورد هذا الكلام في مقال للكاتبة غالية قباني يختصر تفاصيل الحدث الذي "خض" بريطانيا ودول الكومنولث، متسائلة فيه هل شاخت البوكر البريطانية؟
يقف مثقفون وكتاب وقفة حازمة أمام هذا الانحراف الخطير للمسار الأدبي للجائزة، رافضين الانزلاق التجاري لها والذي لا يخدم سوى إمبراطوريات الناشرين.
لكن مهلا هل تعتقدون أن من أسس الجائزة وموّلها ومنحها هذه السلطة القوية في عالم الأدب هم الأدباء؟ ستندهشون إن عرفتم أن الجائزة التي تأسست العام 1969 موّلها آنذاك أكبر تاجر للمواد الغذائية "بوكر" في بريطانيا، والغاية بالتأكيد ليست تحسين فنيات الكتابة بل رفع مبيعات الكتاب إلى جانب أمور أخرى على رأسها استغلال الإعلام بشكل غير مباشر لتمرير ما يجب تمريره من رسائل لا تتعلق أبدا بالأدب بل بعالم المال.
سنة 1972 ألقى الكاتب جون بيرغر الفائز بالجائزة كلمته معربا عن أسفه "للروح البغيضة" المحيطة بالجائزة، وتبرّع بنصف قيمتها للحركة الثورية الأميركية الإفريقية "الفهود السود" منددا باستغلال الشركات التجارية لمنطقة البحر الكاريبي بما فيها الراعي المالي لجائزة البوكر.
لعبت مجموعة Man دورا مهمًا لتحسين صورة علامتها التجارية بتمويل البوكر، فأصبح اسم الجائزة "مان بوكر" منذ 2002، لكن في السنة الماضية استعادت الجائزة اسمها القديم، بعد أن انتقلت إلى أيدي جمعية Crankstart الخيرية المؤسسة من طرف مجموعة من الأثرياء ورجال الأعمال في أميركا.
بلغة أخرى لا نفهمها نحن ثمة شيء يجعل أصحاب أموال طائلة يشعرون بحاجتهم للأدباء والشعراء وأهل الفن، يجذبهم سحر اللغة وبريقها، وتأخذهم المقامات الفخمة التي يمنحها الشعر والنثر والإبداع لأصحابها، ويسعون دوما لاستعارة ذلك الوقار منهم.
تمويل الجوائز كثيرا ما أثار عواصف عاتية في الأوساط الثقافية، كما حدث بالنسبة للبوكر العربية في السنة الماضية، في معادلة لا نفهمها أيضا بشكل واضح، فالكُتّاب وأهل الثقافة يتمسكون بالمال وهم بحاجة إليه دائما، لكنّ حِبال مبادئهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية أحيانا تشدهم في اتجاهات متعاكسة وتضعهم في أوضاع لا يحسدون عليها.
الممتعضون من "انزلاقات البوكر التجارية" يريدون إنقاذ معايير القراءة، فيما تبدو "تهمة المال" نسبية أمام تغيراتها، فجائزة غونكور –أو رينودو على سبيل المثال- التي حققت انتصارها بترسيخ تقاليد متينة مرتبطة بالقيمة الأدبية للكتاب، تتهم هي الأخرى أنها تختار أعمالا مزدحمة بالكلمات الصعبة، واللغة التي لا يفهمها الجمهور العريض، وأن هذا من المبالغات غير الحميدة في الجائزة.
لقد أنقذ المال سوق الكتاب من الكساد، وهذا أمر مؤكد، أمّا معايير القراءة المرتبطة بالنصوص المكتوبة فيبدو أن عملية إنقاذها مهمة شاقة، لأنّ القارئ في الحقيقة سلطة أخرى بقوة المال.
http://www.alriyadh.com/1873348]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]