قال لي أحد زملاء العمل وكان يمارس مهنة الطب: «ليت الذين يتخذون القرارات بشخطة قلم أو ضغطة زر بكل تهور ودون تفكير جدي، يتصورون أنفسهم يمسكون المشرط في غرفة العلميات وقراراتهم سيترتب عليها تقرير مصير الناس، كما أثر المشرط على المريض في غرفة العمليات أو العناية المركزة..». مقالة اليوم تتحدث عن الأمانة الملقاة على عاتق المدير..
انطلق بكم إلى اليابان والبروفيسور يوشيموتو كازوهو يتحدث لي وزملائي طلاب الهندسة الصناعية في جامعة واسيدا في آخر محاضرة أكاديمية لنا قبل التخرج قائلا:»لقد علمناكم في هذه السنوات الأربع كل ما تحتاجونه من مهارات لتتعلموا بأنفسكم وتفيدوا مجتمعاتكم ومؤسساتكم وبلادكم. ولكن بقي أن نعلمكم من خلال هذه المحاضرة أهم شيء تحتاجونه في حياتكم العملية المستقبلية». دارت الأسئلة في رأسي عما هو ذلك الشيء المهم الذي لم يعلمونا إياه طيلة الساعات الأكاديمية الطويلة في السنوات الماضية؟ وما هي إلا لحظات، وعرض الأساتذة علينا برنامجاً وثائقياً عن صاروخ تشالنجر الأميركي. كان البرنامج يتحدث عن الصراع الذي دار بين الخبراء الفنيين والإدارة المسؤولة عن المشروع في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) والتي رغبت في أن تقوم بإطلاق الصاروخ على الرغم من المعارضة الشديدة التي أبداها المهندسون والفنيون في الشركة لأن الصاروخ لم يكن جاهزاً للإطلاق ولم تنته اختبارات السلامة بعد.
وكانت الحكومة الأميركية بحاجة إلى نصر إعلامي ومعنوي في تلك الفترة نتيجة ظروف سياسية مما جعلها تضغط وبقوة على وكالة الفضاء الأميركية من أجل إطلاق الصاروخ والذي تم تأجيله ست مرات بسبب الطقس والمشكلات الفنية. وتحت الضغوط الشديدة من الحكومة والإدارة رضخ المهندسون والفنيون وتم إطلاق الصاروخ في 28 يناير العام 1986م ولكنه سرعان ما انفجر وكانت النتيجة هي نهاية مأساوية راح ضحيتها عدد من خيرة العلماء ورواد الفضاء.
وبعد مشاهدة الفيديو وقبل نهاية المحاضرة وبعد مدة من الحوار والنقاش أطل علينا البروفيسور يوشيموتو مرة أخرى وقال «ما أردناه منكم أن تتعلموه هو عظم الأمانة الملقاة على عاتق المهندس. تذكروا دائماً أن الخطأ من المهندس يمكن أن يودي بحياة البشر ويتسبب بإعاقتهم أو أذاهم. أمانة المهندس هي أن لا يقول ولا يصمم و لا يركب ولا يصنع ولا يفعل أي شيء يمكن أن يتسبب بأي ضرر أو أذى للبشر! وهذا هو أهم شيء أردنا أن نعلمكم إياه قبل التخرج من الجامعة».
مرت سنوات طويلة منذ التخرج من الجامعة، ويمر الإنسان دوماً بالكثير من الاختبارات والمواقف الصعبة أمام ضغوطات المديرين وإغراءات الأرقام والمبيعات مقابل التنازل عن جودة أو معايير سلامة، ولكن لم تزل كلمات أستاذي عن أمانة المهندس عالقة في ذهني راسخة في صدري. ومن المهم أن نتذكر دوماً أن مليارات الدنيا وأعلى الأرقام تغدو بلا قيمة إذا كان ثمنها حياة نفس برئية أو دمعة ألم أو صرخة وجع من مريض أو مصاب أو تدمير قيم وأخلاق بسبب هذه الأخطاء الإدارية أو الهندسية والطبية والتعليمية والإعلامية وغيرها. وفي هذا الأمر، لا تهم المهنة ولا المرتبة، بل هي الأمانة والسعي والحرص على الإتقان في أي موقع كان.




http://www.alriyadh.com/1874536]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]