كثيرون هم الشعراء المبدعون الذين ماتوا إما جنوناً أو جوعاً وتشرداً.. ومن منا لا يذكر مصير الشاعر العراقي الصافي النجفي الذي قتله التشرد وخصاصة العيش، والشاعر حمد الحجي الذي مات في مصحة نفسية.. أقول هذا وأنا أقرأ عن حياة وموت الروائي السوداني الشاب محمد حسن بنس، والذي قيل عنه إنه الطيب الصالح الجديد.. وهذا الروائي الفنان يبدو أنه كان مستعجلاً من أمره، فأراد أن يحصل على الشهرة والأضواء، فسافر إلى القاهرة، والقاهرة هي حاضنة الإبداع ومنطلق الشهرة، ولكن القاهرة ليست مستعجلة بل هي متأنية بسبب ما تحتضنه من المبدعين والفنانين، فلا تبرز الأسماء فيها إلا بعد مكابدة ومشقة ونضج وعناء وصراع طويل مع العقول والأقلام الإبداعية؛ ذهب هذا الروائي بجسده هناك قبل أن يصل إليها اسمه.. فلم يلتفت إليه أحد وظل حائراً ضائعاً متسكعاً في الشوارع وليس في جيبيه قرشٌ واحد، وظل في صراع مع الجوع وكرامة النفس حتى سقط ميتاً في أحد الشوارع لتشمله مأساة كثير من المبدعين، والذين ماتوا إما مرضاً عقلياً كالشاعر حمد الحجي أو كرامة كتلك الفنانة التي رفضت أن تمد يدها لأحد حتى وجدوها ميتةً في شقتها، وحينما فحصوها لم يجدوا في بطنها إلا الماء وأنها ماتت بسبب الجوع.. ومن المفارقات العجيبة أن تاريخنا الأدبي القديم يختلف عن حاضر اليوم، فالعرب الأقدمون عندما يظهر في قبيلتهم شاعرٌ فقد كانوا يحتفلون ويحتفون به كثيراً؛ لأنه سيصبح لسانهم والمدافع عنهم.
أما اليوم فقد أصبحت وسائل الإعلام بكل ألوانها أطول لساناً وأفصح قولاً.. نعود إلى القول: إن المبدع شاعراً أو روائياً أو قاصاً أصبح بكل أسف أقل شأناً وتقديراً في الإعلام، فهو لا ينال بعضاً مما يناله المطرب أو الممثل.. ومن المؤكد أن من يريد الاطلاع على الحضارات القديمة فإنه سيجد أنها كانت تهتم بالثقافة والآداب بكل صنوفها، فلو رجعنا إلى حضارة روما لوجدنا أنها كانت تهتم بالفلاسفة والشعراء أكثر من اهتمامها بالممثلين رغماً عن مسارحها الضخمة والكثيرة.
ومن غير ريب أن الصحافة ووسائل الإعلام قد علا صوتها على صوت الشعر والشعراء حتى أصبحوا يبحثون عن الأضواء بدلاً مما كان عليه الناس قديماً من البحث عنهم وإكرامهم، والدنيا دول، وفي الأيام عظة..




http://www.alriyadh.com/1877138]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]