من سلك السبيل الأمثل للتحصيل حمد على سعيه، وحصل على ما كتب له من الثمرة قل أو كثر، ولا عتب عليه ولو تضاءل إنتاجه؛ لأن مجرد سلوك الطريق الصحيح إنجاز يحسب له، ولا تعدم فيه فائدة، فقد يقتدي به مقتدٍ في ذلك..
نجاح المآرب وإنجاز الأعمال أمر مرغوب فيه، وما من ذي همة إلا ويسرُّه أن تنتج مساعيه، وتقطف ثمرات ما غرسته أياديه، لكن يتفاوت تعاطيهم لأجل تحصيل ذلك، فمن سلك السبيل الأمثل للتحصيل حمد على سعيه، وحصل على ما كتب له من الثمرة قل أو كثر، ولا عتب عليه ولو تضاءل إنتاجه؛ لأن مجرد سلوك الطريق الصحيح إنجاز يحسب له، ولا تعدم فيه فائدة، فقد يقتدي به مقتدٍ في ذلك، فيكتب الإنجاز العظيم لذلك المقتدي، ومن انحرف عن المنهج السليم لم يحمد في ذلك، بل هو ملوم حسب ابتعاده عن الطريق السوي، وقلما يأتي بشيء يؤبه به، بل إن كان ناكبا عن الدرب السليم بشدة وتضادٍّ فلا أمل فيه؛ لأن العنب لا يجنى من الشوك، وللعاملين دورب كثيرة أتناول منها ما يأتي:
أولاً: العمل بثبات ومثابرة، وهذا من أسرار النجاح وأسبابه النافعة بإذن الله تعالى، ومن نظر في سير العظماء وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وجد أنهم يمضون في سبيل الخير بخُطى الثبات والمثابرة، وهل من مثابرة أعظم من مكث نبي الله نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً، وهو يدعو قومه ويجرب معهم صنوف الدعوة المتنوعة متحملاً تعنتهم في الصدود والرفض، وعلى هذا السبيل سار العظماء فمهما تعددت التحديات التي واجهوها أبدعوا في التصدي لها بعزم وتصميم لا مجال فيه للتضجر والتذبذب، وبجهود الثابتين المثابرين من القادة والعلماء تنتفع البشرية في جميع شؤونها، وما كانت العلوم لتدوَّن وما كانت الأمصار لتُمصَّر وتزدهر إلا بتوفيق الله تعالى ثم بدأب ذوي همم عالية ألهموا مواجهة التحديات حتى إن أحدهم لو هدده الخطر المحدق ليتخلى عن ثغره الذي يرابط فيه لم يتزحزح عنه كما قيل عن بعض المثابرين في مقارعة الأعداء:
فأثبتَ في مستنقعِ الموتِ رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ
ثانياً: العمل بإتقان، وذلك دأب المخلص لمهنته المحب لها حباً صادقاً؛ لقناعته بنبلها وأهميتها، لا لمجرد كونه ينتفع بها، وإتقان العمل فضيلة ينبغي أن لا يفَرِّط المسلم فيها، ولا سيما أنه من محابِّ الله تعالى فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» أخرجه الطبراني وغيره وحسنه الألباني، ولأهمية إتقان العمل يبقى الذكر الحسن للمتقنين، ويمتد عبر القرون، وما من مجال حيوي إلا وتلهج الألسنة بالثناء على الذين أتقنوا أعمالهم فيه، وإذا أتقن المسلم عمله وكتب الله له الانتشار انهالت عليه بذلك دعوات المسلمين وترحماتهم مما يرجى له به غفران الذنب وارتفاع الدرجة، ونال بذلك ذكراً حسناً، والذكر الحسنُ فضيلة عظيمة، وقد دعا به نبي الله وخليله إبراهيم عليه السلام فقال: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) قال الإمام الطبري: "يقول: واجعل لي في الناس ذكراً جميلاً وثناء حسناً، باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي"، والذكر الحسنُ وإن كان مرغوباً فيه إلا أن المتقنين لا يعملون لأجله بالذات، بل يدركون أنه يأتي تبعاً، مع أن الذين يعملون في سبيل الله لا يحصل لهم إلا إذا زكا عملهم لأن العمل إذا لم يزك اضمحلَّ، وإنما يبقى ما كان لله.
ثالثاً: العمل بصمت ومن دون مراءاة وتسميع، وهذا من أسباب نجاح العمل وإثماره، وهو دأب المصلحين، وهو من الدروس المستفادة من سورة يوسف فقد عمل يوسف عليه السلام للمِّ شملِ أسرته والاجتماع بأبيه وتضميد الجراح النفسية لأخيه، ولكن لم يعلن ذلك حين جاء إخوته، ولم يكشف لهم ما كان ينويه، بل مضى في سبيل إنجاز ما نواه حتى حصل له، وهذا بعكس ما يقوم به بعض الناس إذا بدأ في عمل معين لم ينفكَّ يتحدث عما انتجز منه، ويتبجح به، ولا شك في تهديد ذلك لاكتمال الأعمال؛ لأن أهل الحسد وقطاع طريق الإنجاز لا يفوتون الفرصة، وكلما وجدوا ثغرة للطعن لم يترددوا في تسديد الطعنات، فلا ينبغي أن يتحدث الإنسان عن خطواته العملية أمام من لا علاقة له بذلك العمل، وأولى الأعمال بالنجاح ما أكب صاحبه على الاجتهاد فيه بعيداً عن أعين ومسامع العامة، ولا يعني ذلك تصويب التنطع في التكتم الذي يوقع الإنسان في إشكالات كثيرة منها حرمانه من بركات استشارة أهل الرأي والمعرفة، وقد يصل ببعضهم إلى درجة كتمان بعض أعماله المهمة عن أهله الذين لا يسوغ أن يخفي عنهم مثل ذلك.




http://www.alriyadh.com/1878194]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]