التسامح مفهوم مركزي في الإسلام فمفردات الصفح والعفو والرحمة مفردات تحيل على معنى التسامح في أعلى صورها الإنسانية وقيمة إنسانية وأخلاقية مطلقة يُلتزم بها لذاتها. ولذلك فإن مفهوم التسامح وفق التصور الإسلامي قريب من التصور الذي وضعتْه منظمة اليونسكو، فالتسامح له ارتباط عضوي ومركزي بمنظومة أخلاقية وإيمانية لا تنفك عنها بل تظل باستمرار تعبيرًا عنها وانعكاسًا لها...
كثيرة هي الكتابات التي تناولت العلاقة مع الآخر بالقراءة والدراسة والنقد والتحليل. فقد ظلت العلاقة مع الآخر بكل اختلافاتها الجذرية موضع اختلاف واضح في أطوارها وظروفها وبالذات بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية. وإن كانت المجتمعات العربية اليوم تشهد تحولًا تدريجيًا نحو العلاقة مع الآخر وهذا التحول ينظر له من زاوية حضارية وإنسانية.
إلا أن هنالك من ينظر له على أنها جزء من حرب حضارية باردة رغم أن الإسلام يقر ضمن مبادئه الكلية المتصلة بمفهوم التعارف قضية قبول الآخر.
وهي قضية يراها الشيخ صالح الحصين من أهم قضايا التواصل الإنساني ولا سيما في ظل التواصل المعرفي لهذا العصر من خلال ثورة المعلومات والاتصالات التي تعتبر فضاءً عالميًا لاختبار فاعلية مبدأ التعارف الإنساني.
فالعلاقات الثنائية القائمة بين البشر على مفهوم التكامل الإيجابي -وألتي ألمح اليها كتاب صوت الوسطية- تبدو في الرؤية العميقة في المغزى الإنساني لفكرة التواصل المنبثقة عن التعارف والمتضمنة قبولًا للآخر وهي ما تمثل الموقف النظري الصحيح في الرؤية الإسلامية والتي تنطلق من رؤية تقوم على أن العلاقة مع الآخر المختلف هي الحوار وليس الصراع أو العنف.
فقد دعا الإسلام إلى الحوار مع الآخر المختلف وقبل التعايش معه ولذلك فإن مبدأ قبول الآخر هو النمط الذي شكل طبيعة العلاقات الدولية في الإسلام.
فالفكر المنفتح على تجسير العلاقة مع الآخر ظل هو الأفق الذي لازم الفكر الإسلامي من خلال الحوار والتواصل، فمبدأ الحوار يتضمن اعترافًا بالمحاور وقبولًا للعيش معه. فدعوة الآخر إلى الإسلام تأتي من أن الإسلام دين إنساني وعالمي بطبيعته فالمبادئ الكونية التي أقرها الإسلام وجعلها أصولًا كبرى لمنهجه مثل حرية العقيدة والكرامة الإنسانية ووحدة الأصل البشري والتعارف تؤكد عالميته وطبيعته التسامحية.
فمبدأ التسامح الأفق الذي تنفتح عليه دعوة الإسلام للناس ولهذا لا يمكن لمن يدعو إلى الحوار وفق مبادئ عامة وقيم إنسانية إلا أن يكون متسامحًا.
فالتسامح مفهوم مركزي في الإسلام فمفردات الصفح والعفو والرحمة مفردات تحيل على معنى التسامح في أعلى صورها الإنسانية وقيمة إنسانية وأخلاقية مطلقة يُلتزم بها لذاتها.
ولذلك فإن مفهوم التسامح وفق التصور الإسلامي قريب من التصور الذي وضعته منظمة اليونسكو، فالتسامح له ارتباط عضوي ومركزي بمنظومة أخلاقية وإيمانية لا تنفك عنها بل تظل باستمرار تعبيرًا عنها وانعكاسًا لها.
وهذا يكشف بطريقة منهجية وموضوعية عن حقيقة التسامح في المسار التاريخي الإسلامي.
فالإسلام والغرب من أكثر الموضوعات التي برزت فيها قضية ال (نحن) باعتبارها تشكل مجمل الموقف التراثي المعاصر من ظاهرة الآخر وهو الآخر الغربي وما يتعلق به من قضايا دينية وعلاقات اقتصادية وسياسية وثقافية هذا الآخر الذي يقدم ثقافة مغايرة تعتمد على عصر العلم وتحولاته ومناهجه الفلسفية والعقلانية وله موقف من الثقافات الأخرى.
فعندما ننظر إلى عالمنا المعاصر نجد مجتمعات وشعوبًا مختلفة تتقارب وتتعاون وتتواصل في بعض الوجوه وتتباعد وتتقاطع في وجوه أخرى فلا تزال قوى التباعد والتفرق والانقسام أقوى فعلًا من قوى التقارب والانسجام فلا يزال إحساس الفرد بجنسه وقوميته أشد من إحساسه بإنسانيته.
فإذا كان الغرب منذ عصر النهضة وإلى اليوم أصدر منظومة من القوانين والتشريعات في مجال حقوق الإنسان.
إلا أن المتتبع لتاريخ العلاقات ما بين الغرب والمجتمعات الأخرى يلاحظ المواقف المتباينة والسياسات الانتقائية والتعاملات المزدوجة وهي معايير تحددها المصالح والمنطق البرغماتي.
ففي قراءة للدكتور إدوارد سعيد حول المعايير الغربية التي تحكم قانون العلاقات الدولية وجد أن تلك المعايير لا تبعث على الأمل أو غير مشجعة على الإطلاق في الإسراف في الأمل في مسألة حقوق الإنسان فالتوجه اللاتسامحي الذي بدأ يظهر في الغرب من خلال التضييق على الأقليات بحجة أن احتفاظها بنمط ثقافتها الخاصة مصادم لطريقة الحياة الغربية في محاولة للضغط على الأقليات بالتخلي عن خصائصها الثقافية والأخذ بطريقة الحياة الغربية هذه الحجة مجرد تبرير سياسي يستعمل لإخفاء التناقض بين قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وبين ما يتخذ من إجراءات قانونية ضد الأقليات وهذا يدلل على عجز الثقافة الغربية على تمثل القيم والحرية الكاملة في مسألة حقوق الأقليات وإن كنا لا ننفي حقيقة التسامح في الثقافة الغربية المعاصرة بقدر ما نشير إلى إخفاق هذه الثقافة وتناقضاتها.
فإن إجراءات عدم التسامح التي واجهتها وتواجهها الأقليات في الغرب لا تدل بالضرورة على أن الثقافة الغربية لا تعترف بالتسامح كقيمة حضارية وإنما تدل على أن الثقافة الغربية لا تنجح دائمًا في اختبار الالتزام بهذه القيمة الحضارية. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل هنالك أفق للعلاقات الدولية في إطار الأخلاق الإنسانية لا في إطار المصالح وموازين القوى. هنالك عنصران يطبعان منهج العلاقات الدولية الأول: ضعف القوة الإلزامية للقواعد القانونية المفروض أن تحكم العلاقات الدولية.
والثاني: هشاشة الأساس الأخلاقي الذي يرتكز عليه منهج العلاقات الدولية.
فالحق والعدل في القضايا الدولية أو القضايا البينية للدول لا يكفيان بذاتهما ما لم تكن هناك قوة تقف إلى جانبهما.




http://www.alriyadh.com/1879172]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]