تعزيز الوحدة الوطنية والوصول إلى العالم المتقدم يقتضي منا أن نصحح المفاهيم الخاطئة عن الدين والتي وظفتها الجماعات الإسلامية لخدمة أغراضها، مع إظهار ما في الدين من حث على العمل وترسيخ القيم والحب والتسامح بين الشعوب، وقبول البشر كما هم وكما أراد الله لهم، وعدم التفرقة على أسس دينية أو مذهبية أو قومية، علينا أن نؤصل في مناهجنا أهمية أن يكون الوطن مظلة الجميع..
الأيديولوجيا هي علم الأفكار، وتطلق على علم الاجتماع السياسي، بصفته نسقاً من المعتقدات والمفاهيم التي يتشبع بها الإنسان فتصبح هي الأكثر حضوراً وتأثيراً في فكره وحياته. وقد تكون الأيديولوجيا دينية أو سياسية أو قومية حسب البيئة والثقافة التي نشأ فيها، وما يحفل به الإعلام من معلومات وحملات، والتعليم بمناهجه وخصوصاً المعلمين والمقررات، وما يبثه القادة وتوجهاتهم وما ينتهجونه من رؤى وسياسات.
وقد كان للعالم العربي نصيب كبير من الأدلجة على أسس قومية ويسارية ودينية، ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي برزت القومية العربية ونادت بالوحدة العربية والتخلص من كل أشكال التبعية وتحرير فلسطين. صدّق معظم أفراد الشعب العربي هذه الوعود وتلقفوا كل ما يصدره قادتها من بيانات انتصارات زائفة، وقسمت دول العالم العربي إلى دول تقدمية وأخرى رجعية، إلى أن اتضحت الرؤية وبانت الحقائق على أرض الواقع، فالدول التي تصف نفسها بالتقدمية صارت تعاني من تردي الأوضاع الاقتصادية وضعف العملة المحلية وسوء الخدمات ومصادرة الحريات، وانتهت بهزيمة 1967، التي كشفت سوء التخطيط والإدارة وتدني الروح المعنوية، وعلى أثر ذلك برزت الجماعات الدينية بقيادة الإخوان المسلمين لتحتل المنابر والمناهج والأنشطة وتحول الدين من دين محبة وإخاء وقيم ورحمة، ووسيلة تطهير الحياة الأخلاقية للإنسان وحمايته من الاغتراب والإلحاد والقلق وتعزيز الإيمان والتفاؤل إلى دين يستخدم سلماً للاستحواذ على السلطة، فزجت به في معترك السياسة وما بها من صراعات وحروب وفتن، ونتج عن ذلك الكثير من المنظمات التي استخدمت ولا تزال تستخدم العنف كالقاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام ومنظمة الشباب الإسلامي في الصومال، منظمات تشبعت بثقافة التكفير واستهدفت الناشئة في برمجة وفتاوى واجتهادات تجاوزها الزمن في سياقها التاريخي والزماني والمكاني.
وعلى الجانب الآخر ظهرت المنظمات والأحزاب الشيعية التي تستمد أدبياتها من قادة مؤدلجين من أمثال علي شريعتي الذي أثار بكتاباته وخطبه وجدان الشباب ومهد هو وأمثاله للثورة الإيرانية التي تشكلت حكومتها على أساس ولاية الفقيه، وحاولت نشر هذا الفكر في أكثر من بلد عربي، فكان حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن، ولولا وقوف المملكة ومكانتها وإمكاناتها لكان المد الأيديولوجي للثورة الإيرانية ينتشر في أكثر من بلد عربي.
الأيديولوجيا مرض عضال يشل الفكر ويطمس شخصية الفرد ليذوب في الجماعة ويأتمر بأوامرها ولا يستثنى من ذلك المتعلم والجاهل، وحامل الشهادات العليا والأمي، فالتكوين الفكري لدى كل شخص يبدأ من الطفولة والشباب، بعد ذلك يستمر الشخص في تعزيز قناعاته بما يوافق ما يختزنه من أفكار، فتكون قراءاته وبحوثه في مجالات تعزز معتقداته وتوجهات جماعته أو حزبه، ويندر أن يخرج الشخص من هذه الدائرة مهما بلغ من العلم، فالعلم للوظيفة والمهنة، وكما قال الفيلسوف "مارتن هيدغر": "العلم لا يفكر" فالعلوم الطبيعية لا تقتضي التساؤل والشك والتحليل والتأمل، خلافاً للفلسفة والعلوم الإنسانية، ولذا نجد الكثير من قادة التنظيمات الإسلامية أطباء ومهندسين من أمثال أيمن الظواهري في تنظيم القاعدة، ومرشد الإخوان الحالي الطبيب البيطري محمد بديع.
العالم كله يعاني من الأدلجة، لكن الدول المتقدمة هي الأقل من حيث تأثير الأيديولوجيا على حياة أفرادها، ذلك أنها تعلمت الدرس جيداً، فالحروب الدينية أنهكت أوروبا ثلاثة قرون أحدها استمر ثلاثين سنة بين عامي 1618 وحتى 1648 أهلكت أكثر من نصف الشعب الألماني، أما الحروب القومية فكانت مستمرة يعززها قادة من أمثال هتلر الذي أشعل الحرب العالمية الثانية، وآخرها حرب القوات الصربية والكرواتية ضد البوسنة والهرسك.
تعزيز الوحدة الوطنية والوصول إلى العالم المتقدم يقتضي منا أن نصحح المفاهيم الخاطئة عن الدين والتي وظفتها الجماعات الإسلامية لخدمة أغراضها، مع إظهار ما في الدين من حث على العمل وترسيخ القيم والحب والتسامح بين الشعوب، وقبول البشر كما هم وكما أراد الله لهم، وعدم التفرقة على أسس دينية أو مذهبية أو قومية، علينا أن نؤصل في مناهجنا أهمية أن يكون الوطن مظلة الجميع، وأن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات.
علينا أن ندرك أنه ليس الدين هو المسؤول عما يعانيه المسلمون من تخلف وحروب، لكنها الجماعات الإسلامية التي وظفت الدين للقضاء على الدولة الوطنية واستخدمت في سبيل ذلك الكثير مما في الموروث والتاريخ من وقائع وأفكار.




http://www.alriyadh.com/1879699]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]