تحدثت في المقالة السابقة عن أهمية العمل المؤسسي في ضمان بيئة جيدة لنجاح الصناعة، وصناعة البرمجيات التي تشهد نمواً كبيراً إضافة إلى تعاظم أهميتها في التقنية تعتمد على البيئة المؤسسية أكثر من أي صناعة أخرى، فإن كانت بيئة المؤسسة سيئة فلن تصنع برمجيات ناجحة، هكذا بكل بساطة، يعزز هذا القول تقرير (ستاندش) للمشروعات البرمجية الذي يولي اهتماماً أساسياً بالعوامل المحيطة بالعملية الإنتاجية، فكما تلتئم حلقات البصل حول بعضها، فإن ثقافة المؤسسة تلتئم طبقات متراكمة بعضها فوق بعض لتتكون في المركز الصناعة التي قامت من أجلها، إذا سلمنا بهذا المنظور، سنجد المكون الإنساني غالباً على مؤسساتنا حتى في تفاصيل العمل الفني.
من أولى الملاحظات التي صورت الجوانب المعنوية في الصناعة هو ما رصده فريد بروكس عندما قاد فرق الأنظمة البرمجية في شركة (أي بي أم)، كانت ملاحظته المهمة هي أن زيادة حجم الفريق بعد بدء المشروع، خصوصاً في المراحل الأخيرة، يؤدي لانخفاض الإنتاجية بدل زيادتها، انخفاض الإنتاجية بعد زيادة حجم الفريق لا يعزى إلى سبب تقني، إنما إلى الجهد الإضافي الذي يضاف إلى الفريق للتنسيق مع أعضاء الفريق المضافين حديثاً، يتضمن الجهد الإضافي أموراً من أبسطها الجهد التواصلي الذي على الفريق القديم أن يبذله، إضافة إلى عمله للتعريف بأساليب العمل وتقنياته، تكمن أهمية ملاحظة فريد بروكس في النظر إلى الأعمال الهندسية باعتبارها أعمالاً إنسانية تؤثر فيها العوامل المعنوية كما تؤثر في أعمال المؤسسة الأخرى.
بعد مرور عقود على ملاحظة بروكس تطورت صناعة البرمجيات تطوراً كبيراً فاق كل التوقعات، يكفي أن نعرف أن الشركات الأكبر في مؤشر الأسهم الأميركية هي شركات تمثل البرمجيات فيها الجزء الأكبر من أعمالها، وكما أن نمو هذه الصناعة مرشح لمزيد من النمو، فإن التحديات التي تواجهها تنمو مع نمو الجانب الإنساني في هذه الصناعة، فخلافاً لبقية الصناعات التي تخففت من الاعتماد على الأعمال اليدوية، مازالت صناعة البرمجيات معتمدة على العمل الذي ينفذه المبرمج يدوياً، ولأن البرمجيات تعتمد على العمل اليدوي، ولتعاظم الجانب الإنساني في الصناعة، انعكس ذلك على تنوع اللغات البرمجية التي تخضع في كثير من الأحيان لعوامل غير فنية.
الجهود التي تبذل اليوم في صناعة البرمجيات للنهوض بها إلى مرحلة جديدة تركز في الحد من الاعتماد على البرمجة اليدوية، فقد شاعت في الآونة الأخيرة منهجيات إعادة الاستخدام، حيث يمكن للقطع البرمجية التي تؤلف مرة واحدة أن يعاد توظيفها في أماكن مختلفة آلاف المرات، وبإيجاد صيغ لتكامل القطع البرمجية يمكن تقليص العمل اليدوي إلى معدلات منخفضة جداً، ومع وجود هذه المنهجيات التي تحاول إيجاد طرق جديدة لمعالجة شح المعروض، فالبرمجيات الموجودة لا تلبي الحاجات التي تنمو مع الوقت، يظل المكون الإنساني بكل تعقيداته المكون الأصعب.
http://www.alriyadh.com/1879848]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]