منذ اندلاع ما سُمي بالربيع العربي وانتشار عمليات التخريب المنظمة برعاية ودعم إيراني بمختلف العواصم العربية، كرّست إسرائيل جهوداً حثيثة لمنع إيران أن تطوِّر أسلحةٍ نووية، وقد أوضحت إسرائيل موقفها من خلال التهديدات باستخدام القوة العسكرية وصرّحت بأنها لن توافق على أن تكون إيران مسلحة نووياً، وتزُعم أن إيران تشكّل تهديداً وجودياً لكيانُها، وعلى الرغم من أن مُعظم صانعي القرارات الإسرائيليين لا يعتبرون أن إيران تشكّل تهديداً وجودياً لهم، يرى القلة منهم أن إيران القادرة نووياً تشكّل تحدياً غير مقبول لإسرائيل وللاستقرار الإقليمي، رُبما صانعو القرارات في إسرائيل ممن لهم باع طويل في رسم الاستراتيجيات البعيدة المدى يرون تمرُّد إيران وعدم الاستقرار الإقليمي قد صب في صالح تعزيز الوجود الإسرائيلي خاصةً بعد إقامة علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول العربية والخليجية.
لذلك تختلف مقاربات قادة الأمن والمحلّلين الإسرائيليين بشأن مواجهة إيران، ولا سيما بشأن معالجة نتنياهو للعلاقة الأميركية، بالإضافة إلى تفضيل الحل العسكري، وعلى الرغم من هذه الاختلافات، قد تتّحد مؤسسات إسرائيل السياسية والأمنية بشكل واسع بجانب بعض الدول الخليجية والعربية في الحد من الطموحات النووية الإيرانية خاصةً وأن المرحلة المُقبلة ستكون حافلة بالتحالفُات الجديدة والمُختلفة لمواجهة التنافُس الإيراني – التركي والذي أمتد حتى القارة الإفريقية والذي من شأنه أن يُهدد خاصرة الدول العربية من الغرب.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تزُعم أنها كانت من أشدّ المعارضين للمفاوضات النووية مع إيران، إلاّ أنه تم عقد اتفاق نووي انتقالي في نوفمبر 2013 بين إيران وما يسمّى بمجموعة الأعضاء الخمسة (P5 + دول الخمسة زائد واحد) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبقي المسؤولون الإسرائيليون قلقين بشأن المفاوضات النووية في الأشهر التي تلت الاتفاق الانتقالي، ولا سيما أن هؤلاء المسؤولين لم يكونوا طرفاً في المفاوضات، وكان لهم تأثير محدود على العملية، واقترح القادة الإسرائيليون شروطاً صارمة لاتفاق نهائي اعتبرها محلّلون غربيون عدّة غير قابلة للتطبيق، مثل تفكيك شبه كامل للبنية التحتية النووية المدنية الإيرانية.
وفي عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قامت الولايات المتحدة بانتهاك اتفاق إیران المناهض للأسلحة النوویة والانسحاب منه، ويعد هذا القرار جريئا للغاية، وهو قرار بنّاء يُحسب لواشنطن في سجل الذاكرة الحدیثة للسلام، على الرغم من أن الكثير من المحللين اعتبر هذا القرار رُبما یُمهد الطریق لحرب شرسة، وقد أدى مقتل قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير 2020 إلى تصعيد التوترات في الشرق الأوسط، خاصةً وأنه ثاني أقوى رجل، وله صولات وجولات في إقامة المجازر وحفر القبور الجماعية للعرب بإتقان، فضلاً عن ذلك لديه خبرة وسيرة ذاتية مُميزة في إسقاط الأنظمة السياسية العربية بشكل مدهش.
وعلى أية حال كان مقتله بواسطة طائرة أميركية من دون طيار، له أثر كبير حيث أثار التوترات وهز الشرق الأوسط، فقامت طهران بتغيير سياسات تجاه واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. وإيران بخسارتها لسليماني قد خسرت معه مُخططات كُبرى بعد العبث بالعراق وسورية ولبنان، كانت المخططات قد طالت حُلفاء واشنطن بما في ذلك المملكة العربية السعودية.
ونتيجةً لتصاعد وتيرة الأزمة أجرى الجيش الإسرائيلي تدريبات لجنود قوات الاحتياط وذلك لاحتمال تصاعد الأحداث في الخليج العربي.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من بعض دول الخليج العربي تجاه أنشطة إيران في المنطقة لا أعتقد أن دول الخليج العربي والدول العربية ستتحد بشكل جاد في الوقت الراهن لمواجهة إيران وميليشياتها بشكل مباشر وذلك؛ لتقاطُع واختلاف المصالح فيما بينهم.
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية الجديدة في ظل الرئيس الأميركي جو بايدن قد هدأت من التوترات بينها وبين إيران من خلال إعادة استئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، إلا أن الصين خطت خطوة غير مسبوقة مع إيران تصُب في صالح العلاقات الثنائية، حيث وُضِعت وثيقة تعاون استراتيجية في المجالات كافة، فيما تواصل الصين تقدُّمها نحو التربُّع على عرش الاقتصاد العالمي، خاصةً وأن إيران لديها مقومات في الموارد تتمثل في الطاقة الضخمة وهذا يصُب في صُلب مصالح الصين الاقتصادية. وتُعد هذهِ الوثيقة جواز مرور للتعاون على الصعد كافة الاقتصادية، والعسكرية، والثقافية، قرابة رُبع قرن مقبلة.
وهذهِ الاتفاقية تمتلك أهمية تُعد عميقة واستراتيجية بعيدة المدى، كونها تشمل تبادل خبرات عسكرية وقدرات دفاعية وتعاوناً أمنياً وإسناداً في المحافل الدولية، والبحث عن سُبل التعاون بين الجامعات وأقسام التكنولوجيا والعلوم والسياحة. ونعتقد أنه هذا التحرك بداية التوسع الصيني الإيراني في المنطقة، وبالتالي منافسة بشكل مُباشر مع واشنطن وموقعها القيادي العالمي.
وفي نهاية السرد نعتقد أن ما تبقى من بين حُزمة أوراق لصالح واشنطن بالمنطقة هو التراجُع عن دعم سباق التسلُّح في المنطقة فيما يخص الاتفاق النووي الإيراني.
خاصةً وأن الصين قد توسعت ببُطىء وذكاء بالعُمق العربي وأخص ذلك الجناح الإفريقي مما قد يقطع الطريق على المنافس التُركي في إفريقية. فالنظام الإيراني الحالي صحيح أنه خدم مصالح الدول العُظمى ولكن نعتقد أنه بدأ يُشكل خطراً عليها وعلى مصالحها مع حُلفائها منذ أن تنامت طموحاته الجاده لإسقاط واستعمار العواصم العربية، لذا من الأولى أن يعود إلى حجمه الحقيقي أو أن يتلاشى النظام ويحل بديلاً عنه، خاصةً وأن المسرح يتجه لوجهة أُخرى، ولتنامي قوى إقليمية أخرى مثل الأطماع الإمبراطورية التُركية في العُمق الإفريقي والتي قد تمتد إلى الخاصرة المصرية وإلى البحر الأحمر يوماً ما.
مساهمة بمنتدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، متخصصة في التاريخ السياسي والعسكري




http://www.alriyadh.com/1880210]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]