ملامح الشخصية وسيطرتها على الذهن أمرٌ حقيقي تفرضه بعض السمات الجسدية عند بعض الناس، فهناك شخصيات تفرض وجودها على الرائي أو المستمع بمجرد أن تظهر وتبين فتتخذ موقعها في الذهن والنفس سلباً أو إيجاباً، محبة أو كرهاً، سروراً أو انقباضاً، ومن غير شك أن كل فردٍ قد صادفته تلك الشخصية الأخاذة والمحببة، أو المستنكرة المرفوضة، وربما تلك الشخصية الباهتة التي لا تعطي انطباعاً من أول نظرة أو من أول لقاء، وفي الغالب فإن للشكل دوراً مهماً في التأثير والتفاعل... بيد أن الشكل قد لا يكون له التأثير الحاسم، وكثيراً ما انخدع الناس بالشكل وغاب عنهم المخبر، وفي التاريخ قصص وحكايات كثيرة حول تأثير الشخصية على الرائي، ولعل من أهم ما حكاه التاريخ هو ما حدث للحجاج بن يوسف عندما بعثه الخليفة عبدالملك إلى أهل العراق، حيث كانوا كثيري التمرد على الولاة ورجال الدولة، فلما بعث لهم الحجاج ووقف أمامهم فوق المنبر يوم الجمعة وقف صامتاً، فاقتحمته الأعين وازدراه الناس وكادوا يحصبونه -أي يرجمونه بالحصى-.. إذ كان مع دمامته قصيراً ضئيلاً.. وقف والناس ينظرون إليه في استنكار واستخفاف، حتى قال أحدهم: قبح الله بني أمية كيف يختارون للعراق مثل هذا الوغد الدميم، بل إن بعضهم همّ برجمه بحصاة المسجد فلما هيأهم للإصغاء والاستماع، خاطبهم بأعلى صوته قائلاً مقولته المدوّية: "يا أهل العراق..."، واستطرد في خطبته النارية إلى أن قال: إن أمير المؤمنين قد عجم عيدانه فوجدني أصلبها عوداً وأشدها مكسراً.. ثم تابع: وإني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها... فران الصمت، وحلق طائر الموت فوق الرؤوس، وكل يكاد يتحسس رأسه خوفاً من بطش هذا الداهية الذي خرج لهم على ظهر المنبر.
ولم يكن تهديده هذا مجرد وعيد بل إنه قد نفذه في الحال، فقد طير سَيّافه رؤوساً كثيرة ذلك اليوم ممن كانوا يحتقرون الولاة... وحل بهم خوف تمنوا معه أن الأرض تنشق فتبتلعهم، ثم إنه أمرهم بالجهاد ففرحوا فرحاً عظيماً خوفاً من بطشه بعد أن كانوا متثاقلين مترددين، فكثر التجنيد وكثر إرسال المحاربين إلى الثغور، ولم يعد هناك من يتثاقل أو يعتذر فالموت في الجهاد خير ألف مرة من سيّاف الحجاج.
وهنا ظهرت شخصية القائد بصرف النظر عما أتى به من سلوك سواءً كان صواباً أم خطأ.
http://www.alriyadh.com/1880833]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]