لم يشر صلى الله عليه وآله وسلم لأمّة محددة، بل «من كان قبلكم» لأن الدنيا تبسط على جميع الخلق، ورزق الله وسع كل حي، فضلاً عن الإنسان، ولكن هناك شيء يتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات، وهو «التنافس في الدنيا» والتفاخر بالملذات والملبوسات والمشروبات والمساكن، والحرص والشره والاستيلاء على ما يزيد عن حاجته وما يفوق قوتَه وقوت من يعوله
لعل كثيرًا منا قرأ أو سمع هذه الجملة أثناء حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حين وافوه في صلاة الفجر لِما سمعوا من خيرٍ قدم به أبو عبيدة رضي الله عنه من البحرين، فتبسم وبشرهم بالخير، ثم وعظهم: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم.
ولم يشر صلى الله عليه وآله وسلم لأمّة محددة، بل «من كان قبلكم» لأن الدنيا تبسط على جميع الخلق، ورزق الله وسع كل حي، فضلاً عن الإنسان، ولكن هناك شيء يتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات، وهو «التنافس في الدنيا» والتفاخر بالملذات والملبوسات والمشروبات والمساكن، والحرص والشره والاستيلاء على ما يزيد عن حاجته وما يفوق قوتَه وقوت من يعوله.
وبالمشاهد فقد ضرب الله للإنسان مثلاً في بقية مخلوقاته، فتجد «المفترس» منها مع ما أعطي من قوة وقدرة إلا أنه يقتصر على افتراس قوتِه، فلو أن تلك المخلوقات خالفت فطرة الله ووجد فيها حب الاستئثار والمفاخرة والتخوف من «جوع يوم غد» لما تناسلت ولا تكاثرت بل ولا عاشت! وهو نفس الهلاك الذي وقع فيه الإنسان، ليس في مجرد القوت بل في التنافس في أصناف الدنيا.
«كما أهلكتهم» فهناك أمم وشعوب كانوا ضحية لذلك التنافس الذي حذر منه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وما أجهل الإنسان حين يضيق عليه الفضاء الواسع والأرض الفسيحة نتيجة للتخوف من «جوع الغد»! وهو أمر لا علاقة للإنسان فيه، فرزقه مضمون عند خالقه، وخالقه واسع عليم.
ولو أن الإنسان نظر بعمق إلى مشكلته لوجد لها الحلول اليسيرة الكثيرة، ولكن غلّب شهية نفسه في التنافس والتفاخر وحب التغلب على الآخرين لمجرد التفاخر ليس إلا.
وقد اتسمت الحضارة الإسلامية بما يصور للعالم سعة الأفق العمرانية في الهندسة الإسلامية بما يحقق للإنسان العيش الآمن بعيدًا عن ضجة التنافس والهلكة، فقاموا بإنشاء المدن، واتباع سياسة التوسع، فلا تمر أعوام إلا وظهرت مدينة آهلة بسكانها وبكامل بنيتها، ولا زال العالم يرى «أطلال الزهراء والزاهرة» وينظر إلى ما كان يفعله المسلمون في إنشاء المدن والدول.
ومن نعمة الله على الخلق أن جعل الماء في كل بقاع الأرض؛ لأنه أساس الحياة، والعالم اليوم لا يسكن من اليابسة إلا في جزء يسير منها، وباستطاعة العقل البشري إنشاء المدن بل والدول، وتوسيع العمران، وإيجاد الطرق والوسائل للحياة دون التعرض لما يضر الآخرين، ولكن أبت الطباع البشرية إلا المنافسة والإصرار على التفرد والتباهي، ومحاولة تأمين ما قد أمّنه الله لخلقه، تخوفًا من المقبل، وجهلاً منهم بربهم القدير، وبحجج كثيرة وواهية، ولكن في آخرها هو «الهلكة»، فكم أضرت المنافسة على الدنيا بالبشرية، بل وكم فتكت بشعوب؟!
حتى في إطار «الأسرة الواحدة» فكم كان للتنافس من أثر وقطيعة بين كثير من الناس، وكان يكفيهم ليعيشوا بسلام وحب وطمأنينة أن يأخذوا ما أوتوا دون تخوف مما يُعطى الآخرون، فخزائن الله ملأى، وكما في الحديث القدسي عن الله سبحانه «... يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر...».
ولعل في المسألة ترابط وتشابك، فإن التنافس في الدنيا يشعل نار الحقد والحسد والتباغض والعداوة، وربما أدى إلى التطاحن والقتال والتآمر والفرح بالهلكة للمنافس. وفي الوقت الذي نحمد الله فيه على ما اختصنا به من وطنٍ معطاء وقيادةٍ سخية وحكيمة، مدّت يدها للجميع، إلا أن العالم يجب أن يعرف أن ما اتصفت به بلادنا من سخاء وكرم وحكمة ما هو إلا تمسك منها بمنهج نبيها صلى الله عليه وآله وسلم القائم على «التبسم والعطاء» و»أبشروا وأملوا»، وقد كان صلوات الله وسلامه عليه : يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. ثقة بربه، واعتماداً عليه، فأبشروا وأملوا، ولا تخشوا من ذي العرش إقلالاً. هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/1882286]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]