لا شك أن ثمة علاقة خفية، مميزة وغامضة تتشكل حروفها بين الكاتب والقارئ في حركة متواترة تشتد حينًا وتفتر حينًا آخر في عالم القراءة والكتب، وفق استغراق الكاتب في الكتابة واستحواذ النص على القارئ، ففي اللحظة التي يحاول فيها الكاتب فرض هيمنته من خلال نصوصه سيواجه صعوبات عدة تتعلق بقبول القارئ ووعيه ومشاركته للنص. فكل كاتب له طريقته في الكتابة، وله منهجه في استشعارها، والقارئ العميق المشارك الذي يلمس كل أحاسيس ومشاعر الكاتب ويحلل ما يكتب ويصدر أحكاماً أيضاً على الكاتب، هو الذي يجب أن نخافه، لذلك هي فكرة مرعبة أن تحس أنك تحت تأمل القارئ، بالنسبة لي يصيبني الذعر كلما راودتني هذه الصورة. وخوفي يتعملق لأن القارئ يحْضر بكل أسلحته ويراقبني وأنا أبني عوالمي ونصوصي، لذلك تتغير شروط الكتابة فلا تصبح الكتابة عادة يومية يمارسها الكاتب بل تصبح قيمة فكرية يشحذها من أجل رضا القارئ. لذلك ينتبه الكاتب للتكرار، والتعصب لرأي واحد، وتنميط الذات. فيتقاطع مفهوم توصيل الفكرة مع مفهوم التواصل في شبكة العلاقات النفسية بين الكاتب والقارئ، لذلك يجد الطرفان نقاطاً محددة تشكل جسراً للوصول إلى المشتركات، ويعلو مستوى الخطاب الذي يعكس تفاعل الذوات مع محيطها، والأفكار مع بعضها، وتختلط المشاعر وتلمس الأفق النفسي للمشاعر، هنا الكاتب يكون نفذ إلى روح القارئ، واتخذ مكاناً لديه دون أن يشعر بذلك، وتتضح هويته لدى القارئ، فهوية أي عمل يقوم به الكاتب هو من يحدده، والقارئ هو المورد الحقيقي للكاتب، والحقيقة أن لدى كل إنسان قصة، والبحث داخله عنها والعثور عليها مهمة صعبة وهذا يقودنا إلى التعرف على الفرص لتحديد هوية أي عمل نقوم به، فالأوقات غير العادية هي التي تصنع الإبداع وهو لا يأتي إلا برغبة داخلية حقيقية، وهو فرصة للقفز لمستويات من الإبداع لا نتوقعها فعندما تعيش مع أبطال قصة أو رواية أو مسرحية، تتسع دائرة الذات الإنسانية عند لجوئنا إلى اقصاها المتخفي، لأن الكاتب يكتب للإنسان وحزنه، أفراحه وأتراحه، هنا تكون ساعة الذات الإنسانية للكاتب ضبطت على توقيت العمق، فعندما تكسب فكرة أو قارئًا تتفهمه وتحتويه فأنت تكسب عملية التأثير على من حولك لأن لديك رؤية تعنى بالالتزام بالقضايا التي تهمنا ونُجمع عليها، وبالتالي تكسب قارئًا لك مدى الحياة.
http://www.alriyadh.com/1883341]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]