هل تشعر بالضيق من الأخطاء اللغوية والنحوية التي تصادفك في المواقع التي تتصفحها، والكتب التي تقرؤها، ونشرات الأخبار التي تتابعها وبعض البرامج الإذاعية التي تسمعها؟ هل تقوم بحمل قلمك كالسيف مقتفياً أثر كل خطأ؟
حسناً، إن كنت تعتقد أن هذه صفة من صفاتك الحميدة، فإن علم النّفس يوجّه لك تهمة قد لن تتقبلها، أنت مصاب بنوع من الاضطراب النفسي يدعى متلازمة التحذلق اللغوي أو النحوي، وهو نوع من الوسواس القهري.
الطريف في الموضوع أن هذه المعلومة ظلت مجهولة عندنا إلى أن أصبحت الأخطاء اللغوية والنحوية ظاهرة لا يمكن السكوت عنها في زمننا، وكلما صحّحت خطأً لأحدهم رفع بطاقته الحمراء هذه في وجهك لإسكاتك وكأنّ التصحيح ممنوع.
منذ سنوات قريبة، كانت قنوات تلفزيونية كثيرة تستخدم مصححاً لغويًّا ونحويًّا لمذيعيها، كان يقوم بتحريك الكلمات لتتم قراءتها بشكل صحيح. تمّ الاستغناء عن هذا الموظف فيما بعد، ولا أعتقد أن قناة تلفزيونية واحدة اليوم تستخدمه.
لكن الأمر لم يتوقف عند الإعلام المرئي، شيئًا فشيئًا تم التخلُّص من المدققين اللغويين بعد توقف جرائد ورقية كثيرة وتعويضها بمواقع إلكترونية، ثم زحف هذا المرض إلى دور نشر لا تعد ولا تحصى وهنا الكارثة، فقد نتقبّل سماع الأخطاء في البرامج الإذاعية والتلفزية، كما قد نمررها في مواقع ليست لها هيبة الجرائد العريقة، لكن من يتقبل كتابًا يفترض أن يكون أدبيًّا ويعجُّ بالأخطاء؟
إن الحنق الذي ينتابك وأنت تعيش مجزرة لغوية خلال قراءتك لكتاب لا يمكن تشخيصه بالوسواس القهري، ولا بمتلازمة التحذلق التي أصبحت موضة المتملصين من قواعد اللغة وسلامتها. هناك دومًا ما يتحجّج به هؤلاء لتبرير أخطائهم، ولكن الأمر أصبح مزعجًا.
منذ فترة بدأتُ بقراءة مجموعة من الروايات الأجنبية المترجمة إلى اللغة العربية، وقد أهديت لي من النّاشر، فشعرت أنه من واجبي تنبيهه لذلك، خاصة أن الإقبال على كتبه كبير، لكنّي لمست استنكارًا من طرفه زاد من ضيقي وانزعاجي، فقد أشعرني كما لو أني أتحامل عليه..!
قد يكون المترجم غير ضليع نحويًّا، لكن هل يعني ذلك أن ترجمة الكتاب وتقديمه للقارئ بكمية غير مقبولة من الأخطاء أمر لا يحطُّ من قيمته؟
بالتأكيد ارتبط الاستغناء عن المدققين اللغويين بشحِّ المادة، وقلّة مدخول الكتاب، لكن هل من العدل أن يجوع المدقق اللغوي في هذا الزمان وتصاب اللغة العربية بالهزال والمرض ليوفّر صاحب المؤسسة بعض القروش؟
نتحدّث هنا عن مصير لغة تقاوم عِلَلًا كثيرة بسبب استهتار غير مقصود ربما، لكن من واجبنا ككُتّاب أن نُنبِّه إلى أن هذه اللغة وجهٌ من وجوه ثقافتنا، ومن العيب أن نتسبب في تشويهه ونواجه به العالم. وإن كان ولا بدّ من رقيب يراقب ما نقرأ فالأفضل أن يكون رقيبًا لغويًّا.




http://www.alriyadh.com/1883339]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]