تتوتر عواطف الشاعر وتثور كبركان صغير أو كبير حسب المواقف المؤثرة والتي يختلف تأثيرها باختلاف حاسة المشاعر لديه والتي تشبه الشاشة في مدى دقة الصفا والانعكاس، وتتفاعل استجابةً لمزيج غريب من قوة الموقف وشدة الموهبة وسابق التجارب ولحظات هبوط الإلهام التي تشبه غيمات تحمل مطرا تختلف قوته باختلاف المواسم واتجاه الرياح وضربات البرق وخفقات القلب وتأثيرات المناخ.
كل الشعراء يتأثرون بالجمال وتضربهم بروقه من كل اتجاه، لكن مدى التأثر يختلف كما المطر في مواسمه، الشاعر في شبابه تختلف استجابته عنها في شيخوخته، وفي حرمانه عن ارتوائه، وفي مقاييس الجمال عنده حسب طبعه ورغبته وتجاربه السابقة وشكل حبيبه الأول.
الشعر في كل الأحوال نوع من توتر العواطف الذي قد يهدأ ويتطهر بالإبداع الشعري وقد يزيد التهابًا بتجدد الموقف المؤثر وتوالي سياط الجمال التي لن يشفيه منها غير الوصال، خاصة إذا كان ذا خيال مرهف مركّز على من يحبها كالفكرة الثابتة في العقل والوجدان والتي تشبه المرض وتزيد أعراضه كما حصل لمجنون ليلى وأمثاله من الشعراء العشاق الذين قصروا الدنيا وما فيها على محبوبة وحيدة كأن الله لم يخلق سواها.
وهذا، مع احترامنا لهؤلاء وتعاطفنا معهم، أقرب للمرض الذهاني والوسواس القهري منه للسلوك السوي الذي نجده عند شعراء الحب الذين يفجر فيهم الجمال ينابيع الإبداع دون أن يحول بينهم وبين السعادة بل قد يجعلهم ذلك الإبداع أكثر سعادةً واستمتاعًا بالجمال رغم بعض العذاب.
ونلاحظ أنه في عصور الوفرة المالية والحضارية يقل إلى ما يشبه العدم تعلق شاعر بمحبوبة وحيدة لا بديل لها سوى الجنون أو الموت، البيئات المترفة تجعل عواطف الشاعر تفور مع الجمال أينما كان كما عند عمر بن أبي ربيعة ونزار ومحسن الهزاني وشعراء العصر الحديث، وذلك لانتفاء الحرمان، فالحب امرأة ورجل وحرمان.
http://www.alriyadh.com/1883630]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]