أثارت كلمة البداوة التي وصف بها وزير خارجية لبنان إعلاميا سعوديا عاصفة من ردود الأفعال أدت إلى استقالته من منصبه ومن الحكومة، التوقيت الذي جاء فيه كلام الوزير السابق له دلالة لأمرين: الأمر الأول هجومه على دولة أثبتت نجاحها على جميع المستويات، الأمر الآخر أن الهجوم صادر من ممثل لحكومة مأزومة على جميع المستويات كذلك، فالتناقض الصارخ الذي يكشفه الواقع هو ما أثار السخرية اللاذعة التي قوبل بها في وسائل التواصل الاجتماعي، فمن أين جاءت السخرية بالتحديد؟
جاءت السخرية أولا لأن البداوة هي مصدر فخر للمملكة ويعرف ذلك كل من زارها قديما وحديثا. ثانيا، احتفت المملكة مؤخرا بمنجزات أول خمس سنوات من رؤية 2030 التي أظهرت نتائج عبرت عنها الأرقام بوضوح، وقد سعيتُ في المقالات التي تخصصت فيها هذه الزاوية أن أسلط الضوء على مشهد التنمية المؤسسية التي تقودها الرؤية في مجال الاستراتيجية والحوكمة وإدارة المشاريع، إضافة إلى برنامج محاربة الفساد، التي لا مثيل لها في المنطقة، وهذه الرؤية التي هندسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لم تقف آثارها في المملكة إنما تمثل موجات من الثورة الناعمة تمتد للعالم العربي كله.
عدوى العافية التي تنشرها المملكة في المنطقة يقابلها المرض بشراسة كما يتبين من تصريح الوزير المستقيل، فليس الأمر مناكفة سياسية أو جدلا عابرا أدى إلى ملاسنة خرجت عن السيطرة، إنما حساسية عامة للتحول الذي يعم المنطقة، فكما هو معروف اقتصاديا، العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة، فكذلك في التنمية، فبرنامج المملكة لمسه الجميع، الذين يعيشون في المملكة والذين ينظرون إليها من الخارج، وإذا طفتَ في المواد التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي ستجد أمثلة كثيرة لمواطنين عرب يعبرون بعفوية عن إعجابهم بنموذج المملكة، ولآن المملكة معروفة بعدم الحرص على الدعاية السياسية مع التقصير في التعريف بنفسها، فإن ما نراه اليوم من أصداء هو تعبير صادق تفرضه المواقف أحيانا.
كانت تعقد المقارنة بالنموذج الغربي منذ عقود مضت عند الاستياء السياسي والاقتصادي العام ونواحي أخرى كثيرة، وكانت المقارنة مجحفة أحيانا، ولأن المقارنة تبدو بعيدة كانت تمر دون حساسية، إنما اليوم فالمقارنة ليست بعيدة إطلاقا، ولأن المقارنة التي تعقد اليوم تأتي من عمق الجزيرة العربية، فهي تدعو إلى نقل التجربة، فدول المنطقة تخرج منهكة بعد تبني نماذج تنموية فاشلة كانت مزيجا بين الاشتراكية والقومية ما زالت أفكارها موجودة حتى اليوم، ولطالما قدمت المملكة نماذج ناجحة للعالم العربي منذ قيامها عبر مراحلها المختلفة، وهي تقدم اليوم نموذجا محدثا قائما على أصالتها الفكرية والثقافية، ولأن برامج التنمية التي تقدمها المملكة مشعة وقوية التأثير فلن تمر دون مقاومة، وليس ما قاله الوزير المستقيل عن المملكة سوى مظهر واحد من مظاهر المقاومة التي يؤسف لها في المنطقة.




http://www.alriyadh.com/1886869]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]