إيران دولة يستحيل عليها تجاوز التاريخ ولا يكفيها الاستقطاب الذي تمارسه من أجل المذهب الشيعي وجعله محور الالتقاء، إيران جزء من مشروع دولي أبرز عناوينه جعل هذه الدولة في علاقات معقدة مع محيطها الجيوسياسي، الصلح مع إيران ممكن ولكن في إطار سياسي براغماتي بحت يفند التجاوزات غير المنطقية التي تمارسها إيران في المنطقة..
لنبدأ بالسؤال المهم حول عداء إيران للمنطقة، فهل إيران عدو يمكن ترويضه أم هي عدو يجب مواجهته..؟ إيران ما بعد الشاه هي صناعة دولية بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وعندما نتذكر مشهد تلك الطائرة التي أقلت الخميني من فرنسا ندرك بكل وضوح لماذا عاش هذا النظام الطائفي المؤدلج كل هذه المدة وبهذه الطريقة التوسعية التي أوصلته إلى ترويض عواصم عربية مهمة.
هذا هو سؤالنا من هي إيران..؟، الإجابة هنا نوعان فقد تبدو الإجابة سهلة ساذجة إذا ما استخدمنا الطرق السهلة والمبسطة، عبر القول بأن إيران دولة طائفية بصناعة غربية ذات أهداف استراتيجية تتشارك فيها مع الغرب عبر منهج يتحكم بها عن بعد ولذلك هي تفعل ما تريد ولا تعاقب على كل أفعالها ويتم ضمان حياتها السياسية عبر أقل التكاليف.
هذه هي الإجابة السهلة ولكن هناك، ما الإجابة الصعبة حول حقيقة هذه الدولة؟ قبل الدخول في هذه الإجابة لابد من استعراض حقائق مهمة حول إيران، أولاً: عبر تاريخ طويل عقب الثورة الإيرانية لم نقرأ تصريحاً سياسياً أو مقالاً صحفياً يطلب من إيران فهم جيرانها العرب، كل المطالبات كانت تذهب إلى مطالبة العرب بفهم إيران فماذ يعني ذلك.؟، ثانياً: نحن ندرك أن الغرب وخاصة أميركا حريصة على كل شبر في الشرق الأوسط وتراقبه بدقة عالية من السماء والأرض وعلى البحر، فلماذا تصاب هذه الرقابة وعلى مدى أربعة عقود بالعمى عن رؤية ميليشيات إيران المنتشرة في عدة عواصم عربية.
ثالثاً: التقاطب الشيعي السني تضاعف مئات المرات منذ الثورة الإيرانية، وظلت فكرة هذا التقاطب هي الوقود الوحيد الذي تستهل به مناقشة القضية الإيرانية مع جيرانها العرب، ولم يطرح على الساحة السياسية الدولية أي فكرة للتقارب بين إيران وجيرانها بعيداً عن التقاطب السنى الشيعي، فقد أصبح هذا التقاطب عنواناً محدداً لكل المشروعات السياسية الداعية إلى التقارب مع إيران وهو ما جعل المهمة السياسية مستحيلة عملياً، وخاصة أنه لم يطرح محور سياسي للتقارب يستطيع أن يكون بدرجة أعلى فوق فكرة الاختلاف الطائفي، أما الحقيقة الفائقة الوضوح هي أن فكرة الصلح العربي الإيراني ظلت وسوف تظل حبيسة لفكرة التقاطب السني الشيعي وهذا ما يضفي عليها تعقيدات متراكمة مع كل محاولة للوصول الى نقاط الالتقاء.
رابعاً: ما التفسير التاريخي المقبول لكي يصحوا العالم على أميركا التي تضطر إلى أن تضع نفسها بين مطرقة إيران وسندان إسرائيل، بينما اعتدنا عبر التاريخ الدولي ومنذ منتصف القرن الماضي أن المطرقة والسندان الغربي تملكهما إسرائيل وتتصرف بهما كيفا تشاء في المنطقة، فلماذا يحدث هذا التغير الهائل، ليفاجئنا الكاتب توماس فريدمان في مقال له في صحيفة النيويورك تايمز تحت عنوان (لا يمكن غزو إيران ولا تغيير نظامها من الخارج) بينما أمكن غزو العراق من قبل وتم تغيير نظامه، ليثبت ذلك المقال أن مطرقة إيران أصبحت تؤلم البيت الأبيض وعليه الإبقاء على هذا النظام وحمايته لمزيد من الوقت بمزيد من الأهداف.
أعود إلى الإجابة الصعبة حول من هي إيران وكيف يجب فهمها؟، ففي عام 636م دخل الفتح العربي إلى إيران وأطاح بالامبراطورية الساسانية وأصبحت إيران منذ ذلك الزمن دولة مسلمة ولكنها ليست دولة عربية، كما أصبحت دولة تدين بالمذهب الشيعي في وقت مبكر من القرن السابع عشر الميلادي، إذن إيران دولة غير عربية دخلها الإسلام عبر الحرب وفرض عليها ديانة جديدة، ويمكن الذهاب بالتفسير إلى نقطة أبعد فهل تشيع إيران يشكل تعبيراً عن سطحية المشروع العقدي لدى الشعب الإيراني لذلك كان من السهل نقل هذا الشعب الى التشيع.
إيران دولة يستحيل عليها تجاوز التاريخ ولا يكفيها الاستقطاب الذي تمارسه من أجل المذهب الشيعي وجعله محور الالتقاء، إيران جزء من مشروع دولي أبرز عناوينه جعل هذه الدولة في علاقات معقدة مع محيطها الجيوسياسي، الصلح مع إيران ممكن ولكن في إطار سياسي براغماتي بحت يفند التجاوزات غير المنطقية التي تمارسها إيران في المنطقة، فهم إيران يجب أن يبدأ من خارجها وليس من الداخل فحقيقتها السياسية تحتم على المتعاملين معها إدراك كل الإبعاد المطروحة لتمرير إيران كعضو جديد في النادي النووي العالمي، وأخيراً فمن يريد فهم إيران عليه أن يفكر بامتلاك ذات الأدوات لدى إيران وأيضاً مقايضة داعمي إيران على امتلاك ذات الأدوات، فلغة التوزان والتعادل في المعطيات هي اللغة السياسية الوحيدة القادرة على كبح التدفق الإيراني للمنطقة.
http://www.alriyadh.com/1891943]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]