في خطوة لاحقة تطورت برامج الترشيد وإدارة الأحمال في أوروبا وأمريكا ليتم تطبيقها في إطار تشريعات ملزمة كجزء من قوانين الطاقة في المنازل والمنشآت بدءًا من عام 1992م. وفي آسيا تم تنفيذ العديد من برامج إدارة الطلب على الكهرباء وترشيد الطاقة في تايلاند وفيتنام والفلبين، وفي الصين تم تخصيص 10 % من استثمارات الطاقة لبرامج تحسين كفاءة الطاقة، وفي البرازيل بأمريكا الجنوبية شهدت برامج الترشيد وإدارة الأحمال تطورات كبيرة منذ عام 1985م من خلال البرنامج الوطني للمحافظة على الطاقة في المنشآت والمباني، وفي المكسيك يتم التركيز على تحسين كفاءة نظم الإضاءة وترشيد الطاقة منذ عام 1989م.
يتضح من خلال ما سبق عرضه أن برامج إدارة الأحمال وترشيد الطاقة أصبحت موضوعاً مؤثرًا على إستراتيجيات الطاقة في دول العالم وأنه أصبح من الممكن تقييم تأثير تلك البرامج على استهلاك الطاقة وتنظيم الأحمال على أرض الواقع في العديد من دول العالم.
ويمكن القول إن إدارة الأحمال وترشيد الطاقة تعتبر الآن أحد أهم الأنشطة لمرافق وشركات الكهرباء حول العالم وفي جميع القارات.
وفي تطور مهم انتقل موضوع ترشيد الطاقة الكهربائية وإدارة الأحمال من مرحلة تنفيذ البرامج التطبيقية مثل استخدام المصابيح الموفرة للطاقة ومحركات السرعة المتغيرة واستخدام العزل الحراري وغيرها من التطبيقات إلى مرحلة أخرى وهي إدراجه وتضمينه في الدراسات التخطيطية للنظم الكهربائية، وقد حدث هذا التطور أساساً في أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة الأمريكية وكندا) وفي بعض دول شمال أوروبا مثل السويد والدنمارك والنرويج.
ولقد ظهر في العقدين الأخيرين مفهوم جديد يعرف بـ"التخطيط المتكامل للموارد" يتعامل مع ترشيد الطاقة وإدارة الأحمال كأحد البدائل المهمة التي ينبغي مقارنتها بالتوسعات في محطات التوليد وشبكات النقل والتوزيع بحيث تكون نتيجة المقارنة الفنية والاقتصادية والبيئية في صالح برامج ترشيد الطاقة وإدارة الأحمال ويكون من الأفضل والأجدى تنفيذ هذه البرامج عوضًا عن تنفيذ التوسعات في النظام الكهربائي، وبذلك ظهرت منهجيات حديثة في التخطيط للأنظمة الكهربائية وتوسعاتها بحيث تتعامل تلك المنهجيات مع جهة الطلب على الكهرباء (المشتركين) على قدم المساواه مع جهة الإمداد بالكهرباء (شركة الكهرباء). ويتطلب هذا النهج توفير الكثير من البيانات الخاصة بالأحمال والمشتركين وسلوكياتهم وأنماط استهلاكهم والأجهزة الكهربائية المستهلكة للطاقة وخصائصها والتعرفة الكهربائية والتكاليف التشغيلية والرأسمالية والعوامل المؤثرة في صناعة الكهرباء بمفهومها الشامل والنظرة المستقبلية للتطورات في سوق الكهرباء.
وتعتمد منهجيات التخطيط المتكامل للموارد على حساب التكاليف للبدائل المختلفة بما فيها تلك التي تأخذ في الاعتبار ترشيد الطاقة وإدارة الأحمال وتحديد البديل الأقل تكلفة والذي يحقق متطلبات الخطة، وهذا يعني حساب القيمة الحالية للتكاليف الإجمالية (شاملة للتكاليف التشغيلية) للبدائل المختلفة، وبمقتضى هذا المفهوم أيضاً يلزم الأخذ في الاعتبار في عملية التخطيط عوامل أخرى مثل التأثيرات البيئية ومستوى الموثوقية، ويتم التعامل مع هذه العوامل كقيود يجب التقيد بها أو كتكاليف يجب إضافتها. ومن الممكن أن تكون نتيجة الدراسة التخطيطية المتكاملة للموارد اختيار البديل الذي يعتمد كلياً أو جزئياً على ترشيد الطاقة وإدارة الأحمال.
وجدير بالذكر أن عملية التخطيط المتكامل للموارد تتطلب خبرات كبيرة في برامج ترشيد الطاقة وإدارة الأحمال بحيث تعتمد الدراسة على بدائل عملية يمكن تنفيذها بالفعلِ وذلك يعتمد على دقة المعلومات والبيانات والافتراضات المستخدمة.
ولقد تم تطبيق التخطيط المتكامل للموارد في شركات الكهرباء في دول أمريكا الشمالية وبعض دول أوروبا على نطاق واسع بحيث أصبح اليوم جزءاً مهماً من عمليات التخطيط لدى تلك الدول، وتتجه دراسات البنك الدولى إلى إدراج الترشيد كعنصر فعال في تخطيط النظم الكهربائية للدول النامية.
وفي الختام، فإننا نتطلع إلى مزيد من الدراسات والأبحاث الرائدة التي تثري هذا الجانب المهم في ترشيد الطاقة نظرًا لما له من مردودات فنية ومزايا اقتصادية لها من القيمة وبعد الأثر ما يسهم بمشيئة الله في تطوير البحث العلمي في جامعاتنا ومراكز البحوث لدينا وفقًا للخطوات التطويرية الواسعة التي تسير بها بلادنا المباركة ورؤيتها الطموحة في عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين في مجالات التنمية والتطور ومنها الاهتمام بقضايا الطاقة والبيئة والمناخ من إيجاد مراكز للتميز البحثي وكراسي البحوث وما يستقطبه ذلك من دعم وافٍ وتمويل سخي من قبل جهات حكومية وصناعية لدعم وتمويل أبحاث الطاقة وتنويع مصادرها وترشيدها وحماية البيئة وسلامتها.
جامعة الملك سعود




http://www.alriyadh.com/1894788]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]