الهيدروجين هو الغاز الأكثر وفرة في الكون، وأيضا مصدر للطاقة صديق للبيئة. وعلى الرغم من هذه المميزات ألا أن مساهمته في سوق الطاقة لم تتجاوز 4 % من الإنتاج العالمي، وبالتالي نرى أن الفشل الذريع في تطوير هذه الصناعة يعد عجزا للبشرية في تعظيم الاستفادة من الغاز الأكثر وفرة لديها.
الاستثمار في هذه الصناعة يعد مكلفاً جداً سواء في البنية التحتية أو في تكلفة المنتج النهائي، والسبب خلف ذلك يعود إلى التأخر في هذه الخطوة، على سبيل المثال نجد أن صناعة النفط، استغرقت قرابة قرن من الزمن حتى تنضج وتصل إلى التكلفة المنخفضة والموثوقية العالية، والتي جعلتها الآن المصدر الأرخص والأكثر موثوقية في أسواق الطاقة.
مصدر ناضب وملوث للبيئة
نتيجة التوسع في هذه الصناعة الناضبة (صناعة النفط) خلال القرن الماضي نجد أننا ساهمنا في رفع متوسط درجة حرارة الأرض قرابة 0.6 درجة مئوية، وقد يكون هذا الارتفاع ضئيلا عند البعض لذلك ينبغي أن نشير إلى أن هذه الارتفاعات تمثل أكبر زيادة في درجة حرارة سطح الأرض خلال الألف عام الماضية.
ويتوقع علماء الطقس أن تستمر درجة حرارة الأرض بالارتفاع لتصل إلى قرابة 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 إذا لم تتغير المعطيات الحالية. وهذا يعد كارثياً بسبب عدم القدرة على التنبؤ بما سوف يحدث للكون مع تغيير أحد عوامل توازنه المهم.
ظاهرة الاحتباس الحراري
على الرغم من اختلافنا مع فكرة أن النفط والغاز هما السبب الرئيس خلف الاحتباس الحراري في الكون ونرى أن الغازات الدفيئة الناجمة من مصادر الطاقة الأخرى لها الحصة الأكبر من المشكلة، ألا أننا نتفق أن الاعتماد الكلي على الوقود الإحفوري في إنتاج الطاقة لن يساعد في حل المشكلة بل سوف يساهم في تفاقمها.
وبالتالي نجد أن رفع نسب الطاقات المتجددة والنظيفة في سوق الطاقة هي الخطوة الصحيحة في اتجاه احتواء المشكلة وتحقيق التوازن المرجو في الاستفادة من مصادر الكون والمحافظة عليه.
ويعتبر الهيدروجين الأحدث بين الطاقات المتجددة وأقلها حظً في استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال مما ساهم سلباً في نمو هذه الصناعة. حيث إننا نرى القيمة السوقية للهيدروجين بكل أنواعه قرابة مئة مليار دولار سنوياً في عام 2019 ولكن يتوقع لها أن تتضاعف وتتجاوز التريليوني دولار سنوياً بحلول عام 2050.
مستقبل الهيدروجين
على الرغم من كل التحديات المتوقع أن توجهها هذه الصناعة ألا أنها الأوفر حظاً في المستقبل، ويعود هذا التفاؤل إلى أسباب فنية بحته، حيث يتوقع أن تكون حساسية وخطورة الطاقة النووية عائقاً أمام دول كثيرة مما سوف يحد من انتشارها.
وأن تكون المواد الأولية في صناعة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المشكلة والمعضلة التي يصعب حلها في المستقبل القريب سواء في ارتفاع أسعارها بسبب الارتفاع الحاد للطلب جراء التوسع فيها، أو احتكار هذه المواد من دول معينة وتسييسها بسبب ندرة وجودها في دول العالم وانحصارها في دول معينة.
وحتى وإن تجاوزت الصناعة هذه المعضلة نجدها أمام تحدٍ آخر هو تخزين الطاقة (لضمان الاستدامة) حيث إننا هنا نتحدث عن مشكلة أساسية في صناعة البطاريات وتحديات أخرى لا يمكن تجاهلها سواء في تطور تكنولوجيا هذه الصناعة او التكلفة العالية لها أو حتى الشح المواد الأولية لهذه الصناعة.
من هنا نرى فرصة الهيدروجين، خصوصاً الأخضر منه والذي يستطيع تخزين الطاقة لأسابيع أو حتى أشهر ونقلها لمسافات طويلة عن طريق تحويلها إلى أمونيا سهلة النقل والتخزين وبالتالي سوف يصبح الهيدروجين الخيار الأمثل لهذه الصناعات عندما تبدأ بالتوسع أو حتى الاستفادة من فوائض إنتاجها في أوقات الذروة.
أنواع الهيدروجين
هناك طريقتان للحصول على الهيدروجين، إما عن طريق فصل جزيئات الماء بالكهرباء لنحصل على ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين، وتعد هذه الطريقة الأكثر تكلفة والأقل شيوعاً وأما الطريقة الثانية هي استخراجه من الوقود الأحفوري، الأكثر شيوعاً.
والهيدروجين ليس له رائحة ولا لون، ولكن تطلق عليه الألوان وذلك فقط للدلالة على طريقة استخراجه، على سبيل المثال لا الحصر: نجد أن الهيدروجين البني، هو عندما ينتج من الفحم ويعد ليس صديقاً للبيئة. والهيدروجين الرمادي، ينتج من النفط والغاز وغالباً من الغاز الطبيعي ويرافق ذلك انبعاثات كربونية. أما الهيدروجين الأزرق، فهو ينتج أيضا من تسخين الغاز الطبيعي ولكن يحجز الكربون المصاحب له وبالتالي يعد صديق للبيئة ويساهم في خفض الانبعاثات الكربونية.
والهيدروجين الأخضر، عندما ينتج من الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية والرياح، وهو خالٍ من الانبعاثات الكربونية وعند الاحتراق يولد ماء فقط.
الشرق الأوسط وصناعة الهيدروجين
لا مناص من القول، إن هذه الصناعة مكلفة جداً وبالتالي أسعار منتجاتها النهائية ما زالت غالية، مما يؤثر سلباً على تنافسيتها مع مصادر الطاقة الأخرى.
إلا أننا في الشرق الأوسط لدينا أفضلية على جميع دول العالم حيث إنه بفضل الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية في صناعة النفط والغاز على مر العقود الماضية نجد أنه تتوفر لدينا البنية التحتية الجاهزة والتي سوف تساهم في خفض تكاليف إنتاج الهيدروجين الأزرق.
وأيضا موقعنا الجغرافي يتيح لنا التعرض لإشعاع شمسي عالٍ سوف يساهم في إنتاج الطاقة بتكلفة قليلة جداً من الطاقة الشمسية مقارنة بدول العالم (ولنا في مشروع الشعيبة الأقل تكلفة في العالم خير مثال) وهنا نجدنا في موقع أفضل لصناعة الهيدروجين الأخضر، وبمجرد دخولنا لسوق الهيدروجين سوف تنخفض أسعاره وترتفع موثوقية امتداداته، ونجد أنفسنا من أهم اللاعبين في هذه الصناعة وبهوامش ربح هو الأعلى فيها.
لذلك نرى أن لدى الهيدروجين فرصة كبيرة بأن يساهم في حل واحدة من أكبر المشكلات التي يواجها هذا الكوكب، ونعظم الاستفادة من الغاز الأكثر وفرة لدينا.
*مختص في النفط والطاقة
م. محمد القباني




http://www.alriyadh.com/1903258]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]