إنّ مما ينبه عليه أن كثيراً من النمّامين ومفسدي العلاقات يوقعه الشيطان في تأويل نميمته وإفساده، ويلبسه لباس النصيحة والدين، فيفسد بين الناس ويفرق بين الخلق وهو بذلك يريد الثواب من الله..
لم يكن تكدير العلاقات بين أفراد المجتمع شيئًا جديدًا ومبتكرًا، بل هو ضاربٌ في المجتمعات مذ نشأتها، وقد سمّى القرآن مفسد العلاقات بين الناس بالنمام، وجُعلت صفة النميمة فيه من موجبات عذابه في الآخرة والإعراض عنه في الدنيا {ولا تطع كل حلاف مهين، همّازٍ مشّاءٍ بنميم}، فما النميمة إذن؟، وهل يقتصر التحذير منها على منابر الوعظ في المساجد، أم أن الأمر يتعلق بكل أفراد المجتمع؟.
إن إفساد العلاقات بين الناس خُلُق مذموم، وينبئ عن نفسية مأزومة قد تراكم فيها الحسد وحب الأذى للآخرين، فلا يطيب للنمام أن يرى علاقة حسنة تعلوها الابتسامة بين الناس، فتجده حاضرًا بخبث طويته في انتقاء ما يوصله من الكلام بين هذا وذاك، فهو لا يأتي بالكلام الكذب ليفسد ذات البين، فإن الكذب كما يقال حبله قصير، لكنه يتفنن في نقل كلام الناس في بعضهم، وهذا النقل وإن كان صحيحًا فهو يخدش مروءة النمام، مع كونه خيانة للمجلس، فالمجالس بالأمانات، فإن الإنسان بطبيعة الحال قد يذكر فلانًا أو فلانًا لعارض أو لغضبٍ أو خطأ أو غير ذلك، لكن مكدر العلاقات يأخذ هذه الكلمة فيلقيها في أذن ذاك، ويكبرها ويلبسها قصد الإساءة، ويلبس نقله لها لباس النصح أو الغيرة، فإذا بذين قد تفرقا وتخاصما وتهاجرا! وربما انطوت صدورهما على أذية بعضهما بعضًا.
في مسند أحمد عن أسماء بنت يزيد، أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "ألا أخبركم بخياركم" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "الذين إذا رُؤوا، ذكر الله تعالى" ثم قال: "ألا أخبركم بشراركم؟ المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت".
فاستحق هؤلاء أن يكونوا شرار الناس، وما ذاك إلا لما تحمله صدورهم من حب الإفساد بين الأحبة، بين الوالد وولده، والزوج وزوجه، وبين الجار وجاره، وبين الولي ورعيته، بين الجليس وجلسائه.
كل ذلك يحدث وبكثرة في المجتمعات وهو عائق من عوائق دخول الجنة، ففي الصحيح "لا يدخل الجنة نمّام" وهو بيان لخطورة هذا الفعل، فإن كثيرًا من مشكلات الناس الاجتماعية يكون للنميمة فيها النصيب الأكبر، وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كيف التعامل مع هذا الصنف من الناس أنه قال: "لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر". والمعنى صحيح، فهو درس يبين خطورة نقل الكلام بين الناس وأنه يغير الصدور ويكدرها.
فالواجب إسكات من امتهن نقل الحديث بين الناس، وبيان خطورة النميمة، وسفالة النمام، ولو وضعت لوحات وعبارات تذكيرية بهذا الشأن تعلق في المكاتب والحافلات وأماكن التجمعات كتلك التي تحذر من أشياء أخرى من المخالفات لربما كان ذلك عاملاً مساعدًا واعظاً للنمام وحاجزًا له عن فعله.
وإن مما ينبه عليه أن كثيراً من النمامين ومفسدي العلاقات يوقعه الشيطان في تأويل نميمته وإفساده، ويلبسه لباس النصيحة والدين، فيفسد بين الناس ويفرق بين الخلق وهو بذلك يريد الثواب من الله، وربما يدرك في قرارة نفسه إفساده غير أنه يغالطها، وقد سُطرت مقالات وردود أفعال الصالحين تجاه هؤلاء، فقد قيل لأحدهم: إن فلانا شتمك، فقال: تلك صحيفته، فليملأها بما شاء. وقيل لآخر: فلان شتمك، فقال: هو رماني بسهم ولم يصبني، فلماذا حملت السهم وغرسته في قلبي؟ ويروى أن رجلاً جاء إلى الشافعي - رحمه الله - فقال له: فلان يذكرك بسوء، فأجابه: إذا صدقت فأنت نمام، وإذا كذبت فأنت فاسق، فخجل الرجل وانصرف.
واعلم أن من نقل إليك معايب الآخرين لن يبرح من عندك حتى يملأ ذاكرته بمعايبك لينقلها إلى الآخرين.. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1904165]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]