أرى اليوم حماسة ليس لها نظير في دعوة الشباب إلى تعلم البرمجة، لأن بلادنا تنهض بنفسها نحو مستقبل تقني مشرق تحتاج فيه إلى مهارات تقنية دقيقة. ولأن المستقبل ليس ملكاً لأحد، فنحن نراهن على أبنائنا وبناتنا بأن يصلوا إليه قبل غيرهم، وليتحقق ذلك لا تعلموهم البرمجة.
لا شك أن التوصية بعدم تعلم البرمجة يجري عكس المتعارف عليه في الجامعات وما توصي به الشركات الكبرى في العالم التي تنشئ أكاديمياتها في العالم لتزيد من عدد المبرمجين وترفع من كفاءتهم. ولأن العالم بحاجة إلى مزيد من المبرمجين كما ذكرت في المقال السابق فإن الشركات الكبرى تسخر جهودها لاستقطاب المواهب وتجنيد الشباب لخدمتها. لكن المشكلة التي تواجه العالم في عدد المبرمجين لا تحل بمزيد من المبرمجين، كما أن مشكلة العربات في القرن التاسع عشر لا تحل بمزيد من الأحصنة. ولأن المشكلة عالمية ولأن طموحنا أن نتخطى العالم وبسرعة فعلينا أن نتخلى عن الأحصنة بالتخلي عن البرمجة باستبدالها بمنهج جديد كلياً.
ما أتكلم عنه مشكلة ذات شقين: هندسي وتربوي. الأول يتعلق بتبني حلول جديدة ترفع من الجودة والإنتاجية، والآخر يتعلق بالطريقة الأمثل لتعلم التطوير من منظور كلي لا جزئي. المنهج الهندسي اليوم عفّى عليه الزمن، فبتعليم أبنائنا البرمجة كأننا نعلمهم الغزل والنسيج يدوياً، كما لو أن عائلة كاملة تعمل في غزل الخيوط ونسجها لإنتاج سجادة رائعة الجمال تستنفد أضعاف الجهد والوقت الذي يقضيه عامل آخر في مصنع للسجاد مدجج بمئات المكائن الحديثة التي تنتج آلاف السجاجيد يومياً.
أما تربوياً، فالمبتدئ عندما يتعلم البرمجة أولاً، يرى التطوير من منظور جزئي ضيق يحجب عنه التصور الكلي الذي يبدأ من فهم المشكلة التي جاء النظام أو التطبيق لحلها إلى الحل نفسه وسبل تنفيذه. تعلم البرمجة أولاً يوحي للمبتدئ أن البرمجة منهج تفكير لا وسيلة تنفيذ، حتى يتكون لديه ما يسميه المختصون التحفز للبرمجة. لأن البرمجة تمنح صاحبها سلطة تنفيذ جذابة، فمن يتعلمها أولاً يستغني عن كل ما سواها من الأدوات، كأن بيده مطرقة والعالم كله مسامير.
فإذا كانت البرمجة التقليدية بحاجة إلى بديل، فأين هو؟ البديل موجود فيما يسمى بالبرمجة المدفوعة بالنماذج. يشيع هذا المنهج في صناعة السيارات والأسلحة العسكرية، وهو منهج ناجح في مجاله، ويوجد توجه لتطبيقه في الأنظمة الكبرى كأنظمة الموارد المؤسسية. هذا المنهج ينقل صناعة البرمجيات نقلة نوعية يدخلها عصر الثورة الصناعية الرابعة. فماذا يعني ذلك لنا في المملكة وما علاقته بقواعد تنظيم البرمجيات الحكومية الحرة ومفتوحة المصدر الصادرة مؤخراً، كل ذلك في المقال المقبل بإذن الله.
http://www.alriyadh.com/1904168]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]