نجد في نهاية النقاش أننا متفقون على "تحريم الحرام وإحلال الحلال"، وإنما يأتي الخلاف في سياق الفهم، والوقوع في وَهْم خطير وهو اعتقاد بعضهم أن ما فهمه من نص شرعي أو من مجموعة أدلة أنه هو "الذي كان عليه السلف"، وهو الدين الذي من خالفه فقد خالف النص..
قد يرى بعض أهل العلم ما سطرته في العنوان محرماً، ويحكم عليه بالبدعة، وهو رأي فقهي نتيجةً لما توصل إليه نظرهم، وبحسب ما استوعبته معرفتهم، وليس لنا حق في الاعتراض على تمسكهم برأي يعتقدونه، ويدينون الله تعالى به، ولكن لنا الحق وكل الحق في تفنيد هذا الرأي، وتوضيح الفرق بين ما اعتاده المسلمون كاحتفالية دينية، وبين ما اتخذوه مناسبة وطنية، تحصى فيه المكتسبات والمنجزات، وتوضع فيه الخطط والبرامج والرؤى والإعدادات، وأن هذا الرأي -أعني الاعتراض على الاحتفال باليوم الوطني- ليس نصاً شرعياً، وإن كان مستنداً إلى نص شرعي، فهو فتوى من مفهوم النص لا نصاً به، وهذا شأن أكثر الفقهيات والآراء المتجاذبة بين الفقهاء، والتي أكثر ما يكون الفاصل فيها هو رأي الحاكم ونظر ولي الأمر في المصلحة في العمل به.
ولست في هذا المقال مقتحماً لحصن الفتوى، وإنما مناقش في الرأي المتداول عند بعضهم، واستوقفتني رسالة من غيور زعم أن من سكت عن الاحتفال فإنما هو مساند للباطل، وهذا هو الذي أريد مناقشته هنا، وهو تصور من رأى رأياً أن رأيه هو الحق الذي لا مراء فيه، وأن من خالفه فقد تسنم الباطل، أو دافع عنه، وربما وصفه بالمبتدع أو الضال، وغير ذلك، وهي فكرة ناقشناها كثيراً، وما زالت تعشعش في عقول كثيرين نريد نقاشهم والحوار معهم، لا لنقنعهم برأينا، ولكن لنثبت لهم أن اختيارهم ليس هو الدين، وإن كان من الممكن أن يكون حقاً، وأنّا حين نتبع رأياً مخالفاً لرأيهم فلسنا مبتدعين، ولا ضالين، وإنما نصدر من فهم آخر للنص المستند عليه، والمحول إليه.
ولعل السجال المختفي بقوة النظام يصلح مثالاً حاضراً للنقاش حوله، خاصة وقد انتهى اليوم، وعادت الحياة إلى روتينها المعتاد.
يستند المحرمون على قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
ويعضدون ذلك بما ورد من النهي عن البدعة وذمها، والأمر بالاتباع والتمسك بالسنة.
ولسنا نناقشهم في صحة الدليل، ولا بوجوب الاتباع، وحرمة الابتداع، إنما النقاش في هل الاحتفال باليوم الوطني لأي بلد بدعة؟ فيجب أن يحرر جوابه بالأدلة. وقبل ذلك ينبغي أن نحرر ما البدعة؟ وهل ينبغي لنا أن نقف على ما فعله السلف من دون زيادة أو نقصان؟ وما الفعل الذي يجب علينا أن لا نزيد عليه، وما الفعل الذي يجوز لنا الزيادة عليه؟ وبوضوح أكثر هل يستقيم قول المانع عن الاحتفال: لو كان خيراً لسبقونا إليه؟ وأسئلة وعناوين كثيرة توضع هنا، لنجد في نهاية النقاش أننا متفقون على "تحريم الحرام وإحلال الحلال"، وإنما يأتي الخلاف في سياق الفهم، والوقوع في وَهْم خطير وهو اعتقاد بعضهم أن ما فهمه من نص شرعي أو من مجموعة أدلة أنه هو "الذي كان عليه السلف"، وهو الدين الذي من خالفه فقد خالف النص، وهم بذلك يلغون كل المسلّمات الفقهية التي ترتكز على "رب حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه"، وتنطلق من فقه النبي صلى الله عليه وآله وسلـم مع أصحابه حين اختلفوا في وقت الصلاة وهم في طريقهم إلى بني قريظة، فذكر ذلك له "فلم يعنف واحدًا منهم" كما في البخاري. ونريد أن نؤكد هنا وفي كل وقت، أن أكثر الفقهيات والآراء وإن تمخضت عن نظر في الأدلة إلا أن هذا النظر يسمى عند الأئمة والعلماء رأي، والعمل بالرأي له حسابات لا تخرج عن المصلحة والحكمة والواقع. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1909347]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]