نحتفل اليوم الثالث من شهر أكتوبر بيوم الوحدة الألمانية الواحد والثلاثين، فقد رسم هذا اليوم بالنسبة للألمان نهاية انقسام دام لأكثر من أربعة عقود، ولذا فإننا نحتفل اليوم بإعادة التوحيد السلمي لبلدنا في قلب أوروبا الموحدة.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى ما قبل 30 عاماً، فلا أحد في ألمانيا أو أوروبا أو العالم كان يتصور أو يتوقع أن يُعاد توحيد ألمانيا، حيث لم يكن ثمة أحد على استعداد لاستقبال مثل هذا الحدث الدرامي في قلب أوروبا، ومع ذلك، قام سكان ألمانيا الشرقية في التاسع من نوفمبر 1989 بهدم الجدار الذي كان يقسم ألمانيا، وقد حدث بسلام ما لم يكن يُصَدَّق حدوثه ومن دون إطلاق رصاصة واحدة.
بعد أن شهدت ألمانيا وأوروبا انقساماً لمدة 40 عاماً، مهّدَ سقوط جدار برلين -إضافة إلى إبرام اتفاقية 2 + 4 المُوقعة في سبتمبر 1990- الطريق أمام يوم الثالث من أكتوبر 1990، وهو اليوم الذي شهد توحيد الدولتين الألمانيتين بصورة رسمية، لقد تحقق ذلك من خلال دعوات التغيير التي أطلقها الناس من جهة، وعن طريق المفاوضات الدبلوماسية من جهة أخرى، واستطاعت ألمانيا أن تسلك درب السعادة بفضل ثقة ودعم جيرانها وشركائها.
لقد كانت هذه التجربة الوجدانية بالغة العمق أحد الأسباب التي جعلتني أصبح دبلوماسياً وشخصاً مُفعماً بالتفاؤل، بغض النظر عن مدى قوة التحديات، إن الدرس الأهم من إعادة توحيد ألمانيا بالنسبة لي هو: ألا نتوقف مطلقاً عن الإيمان بالمستحيل، ومن ثم أصبحت نظرة التفاؤل في وقتنا الحالي أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك في ظل الصعوبات السياسية والاقتصادية والشخصية العالمية الراهنة.
إن أغنية "رياح التغيير" التي قدمتها فرقة سكوربيونز لترمُزُ إلى الشعور القوي بالاتحاد، كما أنها أذكت الروح المعنوية داخل ألمانيا لإحداث تحول سلمي، وهو ما لم يكن تحقيقه دائماً بالأمر الهين؛ لأن مسألة ضمان حدوث توحيد على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإعادة توحيد قسمين من الناس يعيشان حالة من الانقسام على مدار فترة طويلة، تنطوي على تحديات مستمرة حتى اليوم، ونحن على علم اليوم بأن: أوقات التغيير يمكنها أن تصبح فرصاً إيجابية. ولهذا السبب فإنه لمن دواعي سروري أن أُصبح السفير الألماني الجديد لدى المملكة العربية السعودية في أوقات تشهد حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية في إطار رؤية 2030، وإن ألمانيا ستكون شريكاً موثوقاً به في مسار التحول هذا.
إن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وألمانيا تقوم على أسس صلبة، فلدينا ما يناهز 100 عام من الخبرة في علاقاتنا الثنائية، وبصفتنا دولاً أعضاء في مجموعة العشرين، فإننا نعمل عن كثب في العديد من المجالات، بما في ذلك مجالي الاقتصاد والسياسة، ولدينا مصالح سياسية مشتركة، على سبيل المثال السلام والاستقرار والازدهار ومكافحة الإرهاب، لقد كان تعامل المملكة العربية السعودية مع جائحة كوفيد- 19 نموذجياً، وإنني لأتطلع إلى الارتقاء بعلاقاتنا الثنائية إلى مستوى أعلى، حيث أن التحصين باللقاحات سيسمح بمزيد من التفاعل الشخصي وجهاً لوجه.
إن العلاقات الاقتصادية الألمانية - السعودية تمثل ركيزة مهمة لتعاوننا، فهناك أكثر من 800 شركة ألمانية تعمل في المملكة وتدعم تنويع الاقتصاد السعودي، لا سيما المتعلق بتحقيق أهداف رؤية 2030، وكذلك تعد ألمانيا واحداً من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين رئيسين للمملكة.
وهناك أيضاً مكتب الاتصال الألماني - السعودي للشؤون الاقتصادية في المملكة، حيث أنه شريك رئيس لسفارة ألمانيا في المملكة العربية السعودية، ويقوم المكتب بتسريع التعاون الاقتصادي من خلال دعم الشركات الألمانية الراغبة في دخول السوق السعودي لإيجاد فرص تجارية.
إن أحد الأمثلة البارزة في تعاوننا الوثيق هو توقيع مذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال الهيدروجين النظيف في شهر مارس 2021، حيث يعد الاحتباس الحراري العالمي أحد أكبر المخاطر طويلة الأجل التي تواجه البشرية، ولذلك تعمل دولنا معاً بشكل وثيق من أجل تقليل انبعاث الغازات وكذلك المساهمة في تنويع الصناعة في المملكة العربية السعودية.
بالنسبة لنا، فإن السعوديين ليسوا مجرد شركاء تجاريين ممتازين فحسب؛ بل إنهم أيضاً أصدقاء جيدون، ولهذا السبب، يجدر القول بأن هناك ركيزة أساسية أخرى لتعاوننا، ألا وهي العلاقات الثقافية، وبالتالي فإنني أرحب أن تكون الثقافة في صميم رؤية المملكة 2030، وعلى الرغم من أن التبادل الثقافي كان يمثل تحدياً خلال الجائحة، بيد أن العدد الهائل من المشروعات المتنوعة التي يتم تنفيذها بشكل مشترك في الوقت الحالي لهو بمثابة شهادةٍ على الصداقة الطويلة والدائمة، هناك فنانون سعوديون يشاركون في برامج الإقامة الفنية الألمانية، ويعرضون أعمالهم الفنية في صالات العرض الألمانية، وكذلك سيكون الفنانون الألمان جزءاً من ملتقى طويق الدولي للنحت في الرياض، وبينالي الدرعية وأيضاً مهرجان Mdl Beast الموسيقي الوشيك، كذلك يسعدنا أيضاً دعم الرسامين الناشئين السعوديين ودعمهم لتحويل مواهبهم إلى مهنة من خلال الترويج لهم على قنوات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا. كما نخطط لإقامة المزيد من الفعاليات الثقافية قريباً: حفلات موسيقية بمشاركة فنانين ألمان وسعوديين، أو تعاون مع متاحف ألمانية، أو تعزيز أنشطة المعهد الألماني للآثار في المملكة العربية السعودية.
وفيما يخص مجال التعليم، يمكن أن نجد في مستشفى شاريتيه المرموق في برلين مثالاً ساطعاً للتعاون الألماني - السعودي في مجال التأهيل الطبي المتخصص للأطباء السعوديين. حيث دخل البرنامج عامه السابع في شهر سبتمبر من هذا العام، كما يوجد لدى معهد جوته -المركز الثقافي الألماني- عدد قياسي من الطلاب الذين يتعلمون اللغة الألمانية، علماً بأن المعهد قد بدأ برنامجه الثقافي حديثاً، ولكوني سفيراً لبلد فريقي بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند، فإنني أفخر على وجه الخصوص بأن مواطنتنا، السيدة مونيكا ستاب، أصبحت أول مدربة للمنتخب السعودي النسائي لكرة القدم.
سفير ألمانيا لدى المملكة
http://www.alriyadh.com/1910644]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]