هذا العنوان ليس عفوياً، فهو مقصود لذاته، حتى نمحو الصورة الرومانسية التي ينظر بها كثير من الناس لباعة الكتب أو ناشريها في رحاب الأرض؛ كنت أعرف في سالف العصر والأوان، رجلاً يبيع الكتب والمجلات على الرصيف، حتى تمدد فأصبح يمتلك مكتبة ضخمة حوت آلاف العناوين باللغتين العربية والإنجليزية، ومع أن الرجل يكتب ويقرأ بدرجة قليلة، إلا أنه يعرف تماماً ما يريده مرتادو مكتبته، وكان كثيراً ما يشتكي من فتور حركة البيع، وقلة أو ندرة الإيرادات، التي تدخل خزينته من بيع الكتب أو نشرها؛ لكن هذا الوضع لم يكن في أي وقت سبباً في مفارقة عشقه للكتاب وعلاقاته مع كبار الكتاب والأدباء، ومع أن البدائل الكثيرة كانت تعرض عليه، إلا أنها لم تنقله في طرفة عين من خانة صغار التجار إلى كبارهم! في زمن ذلك الرجل كثرت دور النشر، حتى كاتب هذه السطور أصبح ناشراً، وإن كان سريعاً ما أدرك أن كل تجارة، حتى تجارة الكتب لها أهلها، ومن كان من غير أهلها فإنه عاجلاً أو آجلاً سيجد نفسه على الرصيف، ومنشوراته في منافذ الكتاب المستعمل، وهذا ما حصل مع شديد الأسف والحسرة! وقد اكتشفت بعد تجربتي القصيرة، ومعرفتي بالناشر الذي بدأ من الرصيف، أن هناك عدة طرق، إذا اتبعها الناشر كفيلة بجعله يعيش عيشة الأسرة المتوسطة الدخل، لا فوق ولا تحت! ومن هذه الطرق نشر كتاب سريع الاشتعال، ليتكفل بالصرف على عشرة دواوين شعر، جميلة المعاني، ظريفة الشكل واللون، لكن طلابها أو قراءها المستهدفون لا صبر لهم على حلاوتها، ولن أذكر لكم نماذج من هذه الدواوين، خوفاً من بطش أصحابها وطول ألسنتهم، والكتاب الطلقة أو سريع الاشتعال، بإمكانه أيضاً الصرف على خمس روايات، ممتلئة بالفكر والمعارف والمعارك والجنس، لكن لغتها مقعرة وإخراجها وورقها وطباعتها متواضعة، ولا يشفع للناشر نشره لتلك الكتب إلا حبه للأدب والأدباء، وحرصه على توصيل رسالة للأوساط الثقافية، مع علمه أن الأدب لا يطعم خبزاً، فكيف بالشحم واللحم! لكن الظاهرة التي نبعت في السنوات الأخيرة، وهي لجوء عديد من الناشرين إلى تبني إصدار الكتب سريعة الاشتعال، التي تقرأ سريعاً وتترك سريعاً، ويدفعون لأصحابها مبالغ أو أجوراً مقطوعة، عالية ومتوسطة، وهم يعلمون يقيناً أنهم سوف يحققون أضعافها بنشرهم لتلك الكتب، هذه الكتب في الغالب تعطي إشارة للأدباء بنجاح تلك الدار فيقبلون عليها لنشر قصصهم ورواياتهم ودواوينهم، وربما دراساتهم أو سيرهم الذاتية، ليجدوا أن هذا الناشر أصبح كما يقولون يتمغط في القماش؛ فهو يطلب من المؤلف نظير نشره لكتابه، ما يدعي أنها تكاليف الطباعة، ليزود المؤلف بعد الطباعة أو النشر بعدة نسخ، ويستولي على ما قد يحققه الكتاب من مبيعات؛ وقد علمت أن هذه العينة حالما تتلقى المطلوب، تطبع عدة نسخ للمؤلف ولها، وربما للعرض وربما لذر الرماد في العيون؛ طباعة النسخ القليلة من أي كتاب، هو المؤشر الأبرز لغلاء الكتاب!




http://www.alriyadh.com/1911665]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]