سعدت الأسبوع الماضي بحضور مؤتمر مستقبل الاستثمار الخامس الذي عقد في الرياض. وكان موضوع المؤتمر هو الاستثمار في الإنسانية. وكما هو متوقع فقد نالت الاستدامة النصيب الأكبر من الأحاديث التي تناولها ضيوف المؤتمر. وقد نالت التقنيات الناشئة اهتمام المتحدثين من حيث توقعاتهم بآثارها المستقبلية ومدى قدرتها على المساهمة في بناء غد أفضل. فتقنيات مثل إنترنت الأشياء، وسلسلة الكتل (بلوك تشين)، والحوسبة الطرفية، وغيرها؛ أصبحت كلها ضمن ما يمكن أن نسميه نادي التقنيات الناشئة.
لا أعتقد أن أحداً يعرف على وجه الدقة من أين جاء اسم التقنيات الناشئة، إنما من المتوقع أن هذا الاسم جاء لصعود عدد من التقنيات الجديدة في وقت متقارب. إنما خلف الاسم ما يجدر بنا أن نشير إليه في بنية الابتكار وتحدياته. فمن المعروف أن لكل عصر تقنياته الناشئة، فقد كان الحاسب الآلي تقنية ناشئة بعد الحرب العالمية الثانية، والكهرباء ومحطاته وأعمدته التي تقسم الأفق بالتساوي في الريف، كلها كانت تقنيات ناشئة بامتياز. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تشيع هذه التسمية اليوم؟
لا شك أن فكرة النشوء برزت في السنوات الأخيرة في مجال التقنية أكثر من سابقاتها وإن اختلفت المفردات المعبرة عنها. إنما استخدام مصطلح (التقنيات الناشئة) هو حل لمشكلة عميقة يواجهها المبتكرون. فكما يذكر صاحب كتاب (معضلة المبتكرين) أن الابتكار وحده وإن كان حلاً جيداً لمشكلة حقيقية، فإن نجاحه عندما يطرح ليس مضموناً. فإن إيجاد سوق للابتكار الجديد يعد تحدياً بحد ذاته. ولعل نحت مصطلح التقنيات الناشئة هو وسيلة جديدة لتسويق مجموعة من التقنيات الصعبة التي نشأت في وقت واحد تقريباً مع ما يعتريها من غموض وضبابية في مستقبلها.
فمن الأمثلة المشهورة التي تبرهن على صعوبة التنبؤ بالسوق الأمثل لبعض التقنيات الناشئة هو مثال دراجات هوندا النارية؛ ففي نهاية الخمسينات الميلادية، أرسلت شركة هوندا ثلاثة موظفين إلى لوس أنجلوس لتسويق دراجتها النارية لمنافسة دراجات هارلي. أول الأمر، لم تستطع الدراجات النارية الجديدة منافسة دراجات هارلي، حتى جربت مصادفة خارج الطريق في التلال والطرق غير المعبدة في ضواحي المدينة، عندها فقط وجد المسوقون للدراجات سوقاً جديدة لم تعرف من قبل. فعوضاً عن بيع الدراجات النارية إلى شبكة موردي الدراجات النارية للطرق العامة، وجد المسوقون شبكة جديدة عندما عرضوا الدراجات النارية لدى موردي المعدات الرياضية. كانت سوق الطرق الوعرة والرملية سوقاً ناشئة لم تستهدفها شركات الدراجات النارية من قبل. وفي وقت قصير، صعدت مبيعات دراجات هوندا النارية صعوداً نارياً، حتى باعت 5 ملايين دراجة سنوياً في السوق الأمريكي.
ما يلحظه المستمع للمتحدثين في مؤتمر مستقبل الاستثمار أن فكرة التقنيات الناشئة نالت حيزاً كبيراً من النقاش، ما يجعلها أيسر للفهم والقبول من المستثمرين خصوصاً مع شيوع أمثلة الاستخدام وشرحها المستمر للجميع.
http://www.alriyadh.com/1915876]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]