شاع مؤخراً مصطلح التقنيات الناشئة كثيراً، حتى أصبح المصطلح ظاهرة توحي أن هذا العصر مختلف عن غيره. وقد تكلم بعضهم بهذا المعنى، ممثلاً بعصر آخر كانت فيه التقنيات الناشئة حينها تتوالى الواحدة بعد الأخرى، حتى تغير العالم كما لم يتغير من قبل. فكما كان دخول الكهرباء قد غير حياة الناس تغييراً عظيماً، فقد غيّر الإنترنت حياتهم بالقدر نفسه أو أكثر قليلاً. وكما غيّر اختراع السيارة والطائرة مفهوم الاتصال والعلاقات الدولية والتجارة العالمية، فإن الاتصالات الحديثة بكل تقنياتها ما زالت تنقلنا إلى عصر جديد، يتغير فيه الاقتصاد العالمي وتتغير فيه موازين القوى السياسية. جميع هذه التغيرات جاءت من أصل واحد سواء اليوم أو أمس، وهو الابتكار.
ما يختلف ابتكار اليوم عن أمس هو تمكين الفرد من تحريك عجلته مع تجسير الهوة التي تفصله عن السوق. بمعنى آخر، أصبح في السوق من ينتظر ليتلقف ابتكاراً جديداً بالتمويل والتسويق. ومع كل ابتكار ناجح وآخر فاشل، تراكمت التجربة لتبين أن عوامل النجاح ليست تقنية بالضرورة إنما مرتبطة بعوامل أخرى. ومع نجاح الابتكارات الجديدة، اتضح لنا قوتها التدميرية كما يصفها البعض أو قدرتها التعطيلية كما يصفها آخرون. وكما يتضح اليوم فإن التقنيات الناشئة باتت منصة لانطلاق الابتكارات الجديدة التي توظف إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل، وغيرها. ولأن سرعة نشوء هذه الابتكارات من مرحلة التجربة إلى النضج تمثل ظاهرة فريدة، فقد أصبحت محل دراسة بحثاً عن قواعد مشتركة للنجاح.
فمن المظاهر التي يشترك المبتكرون فيها وتعد من عوامل نجاحهم، قدرتهم على التحول المستمر. فلا يمكن للمبتكر أن ينجح دون أن يستجيب للمؤشرات الخارجية بسرعة. فبالنسبة إلى المبتكر، فإن العالم مختبر كبير يقيس فيه قدرة ابتكاره ويحكم عليه بالنجاح أو الفشل. من أجل ذلك شاع مصطلح (الفشل السريع الفشل المستمر). فإذا استطاع المبتكر أن يعجل من فشله وأن يكرر محطات الفشل، فذلك أفضل كثيراً من تأجيله. فمن منطلق هذا الفكر الجديد، فإن الفشل أمر حتمي وهو محطة لابد من الوقوف عندها طال الطريق أو قصر، إنما الشأن كل الشأن في الوصول إليه بسرعة وباستمرار. ولأن للفشل مرارة يشعر بها كل من ذاقه، فإن الوقوع فيه أمر صعب، فما بالك بالبحث عنه. لذلك يختلف مفهوم الابتكار اليوم عن صورته الرومانسية التي كانت تصور لمجتمعنا، كما لو كان إلهاماً يتلقاه المبدع فيستجيب له ويقف الأمر عند ذلك. إنما الأمر يختلف تماماً كما سنرى في المقالة المقبلة إن شاء الله.
http://www.alriyadh.com/1917070]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]