الفكر والتحليل العلمي لقضايانا هما المسار الأكثر ثقة للبحث عن طريق النجاح، فنحن دول ليس أمامها خيار سوى أن تكون متحدة في إطار سياسي قادر على مواجهة الآتي من أزمات هذا العالم الذي يستعد للتحول إلى مرحلة جديدة..
ملتقى أبوظبي الاستراتيجي مناسبة سنوية مهمة في عالم (Think Tanks) حيث التفكير والتحليل في عالم السياسة، ومنذ ثماني سنوات انطلقت فعاليات هذا الملتقى الذي يقيمه مركز الإمارات للسياسات، والذي ترأسته الدكتورة ابتسام الكتبي مؤسس ورئيس مركز الإمارات للسياسات، وقبل الحديث عن فعاليات هذا الملتقى فمن المهم أن أذكر أن هذا الملتقى ومنذ عام (2018) وحتى اليوم يقع ضمن قائمة أفضل عشرة مؤتمرات استراتيجية على مستوى العالم بحسب التقرير العالمي السنوي الصادر عن جامعة بنسلفانيا الأمريكية.
إذاً الأهمية الفكرية لهذا الملتقى تأتي في سياق عملي وعلمي صارم استطاع المركز من خلاله أن يقدم حوارات سياسية ومناقشات جادة خلال الثماني سنوات الماضية، ولكن الملتقى بنسخته الثامنة قدم قضايا مهمة ارتبطت بتحولات إقليمية ودولية، لذلك كان موضوع الملتقى وعنوانه حالة فريدة تصف لنا بدقة (عالم ما بعد الجائحة) وهو عالم يشي بالكثير من التحولات غير المتوقعة، فالعالم قبل الجائحة قد تغير بعدها بدرجة لم تكن متوقعة من أحد، وينطبق على العالم في هذا المسار قول أطلق في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018 يصف أنه "كلما تحسنت الأمور، بدا أن الناس أشد قلقاً وأكثر يأساً".
من الصعب تبديد المخاوف الناتجة عن التحولات الكبرى التي تحدث في العالم، وهذا ما استطاعت جلسات الملتقى أن تضعه على طاولة النقاش، ليجد الجميع نفسه إما قلقاً من المستقبل أو متفائلاً أن العالم قادر على تجاوز محنته الكبرى، والحقيقة أنه خلال مناقشات هذا الملتقى وبمشاركة نخبة من المفكرين تم اختيارها بعناية عبر منظمي هذا الملتقى، استطاع الحاضرون أن يكونوا أكثر تعلماً لمعطيات التحولات العالمية، ولكن تظل الأزمات معلقة لتفتح أبواباً جديدة من التساؤلات، لقد كنت أدون الأسئلة والأفكار خلال جلسات الملتقى واكتشفت من خلال جلسات الملتقى أننا في حالة انخفاض شديد السرعة للثقة السياسية الدولية، فالمشكلات تنتشر من حولنا والقلق يتزايد وهذا ما أكده معظم المتحدثين، لقد كشفت لنا جائحة كورونا أن عدد من يثقون بالتداول الإعلامي السياسي وبالسياسات الدولية هو في أقل حالاته على المستوى العالمي.
لقد كانت أسئلة الشكوك التي تبدأ عادة بعبارة لماذا وكيف، أكثر من أسئلة التفاؤل في مذكرتي التي أدون فيها فعاليات هذا الملتقى حول مستقبل العالم فيما بعد الجائحة، لقد تزاحمت المشكلات في عالم ما بعد الجائحة التي دفعت الدول والحكومات إلى مسار إجباري تقل فيه الخيارات وتتضاعف فيه الأزمات، ولذلك تزاحمت الموضوعات بثراء في هذا الملتقى فكل موضوعات العالم أصبحت مهمة وتكاثرت في الأفق السياسي الأزمات التي تحتاج إلى حلول جذرية، لم يعد العالم السياسي والحكومات في العالم أكثر صبراً على المشكلات، لقد تعلم العالم الكثير من مظاهر الترف السياسي في مقابل انحسار تحمل المشكلات ومواجهتها كما كان ذلك بعد عقود قليلة من الحرب العالمية الثانية.
لقد كانت ذروة جلسات الملتقى تلك الجلسة الخامسة التي طرحت سؤالاً مهماً (الولايات المتحدة والصين: هل الحرب حتمية؟)، لقد طرحت هذه الجلسة معايير يمكن للنظام العالمي الجديد أن يمارسها، بجانب أسئلة جذرية حول قدرة العالم اليوم بتنافسه المقبل من الأفق البعيد: هل نحن قادرون على التحكم بحياتنا السياسية أم أنها أصبحت عرضة للانفراط وعلينا التصرف بحذر، الصين وأمريكا مشروع للقطبية العالمية الجديدة، فماذا ينبغي على العالم فعله؟ تجربة العالم الماضية في مشروعات القطبية بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا لن تتكرر كما يبدو، فالدول ستبحث عن منطقة وسط تتعامل بها مع أمريكا ومع الصين في ذات الوقت وبتوازن.
لقد كانت جلسات الملتقى في الحقيقة وعلى مدى يومين تجربة فريدة ومناقشات عميقة لموضوعات بعيدة كل البعد عن التكرار، فالموضوعات الحيوية كانت حاضرة في جلسات الملتقى الاثنتي عشرة على المستويات الدولية والإقليمية والخليجية، لقد كانت رسالة هذا الملتقى واضحة، فالعالم السياسي الدولي والإقليمي أصبح بحاجة ماسة إلى هزيمة المشاعر السياسية السلبية وترويضها نحو بناء إرادة دولية تساهم في حماية هذا الكون من تأثيرات كبرى أصبحت تهدد أمن هذا العالم، نحن في عالمنا الخليجي بحاجة إلى نسخ متعددة من هذا الملتقى وبحاجة إلى نشر كبير لمراكز التفكير (Think Tanks) في عواصمنا الخليجية، فالفكر والتحليل العلمي لقضايانا هما المسار الأكثر ثقة للبحث عن طريق النجاح، فنحن دول ليس أمامها خيار سوى أن تكون متحدة في إطار سياسي قادر على مواجهة الآتي من أزمات هذا العالم الذي يستعد للتحول إلى مرحلة جديدة.




http://www.alriyadh.com/1919846]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]