نشتكي دائماً، نحن كتاب الرواية والقصص، أن القارئ يظل يسقط ما يقرأ من خيال وشخصيات وأحداث على حياتنا الشخصية، ويكون متأكداً ومؤمناً إيماناً منقطع النظير أننا نتحدث عن أنفسنا وأن ما نكتبه إنما نستمده من حياتنا ومن أمور حدثت لنا. وكنت أعتقد أن ذلك أمر يختص به القارئ العربي، وأحياناً كنت أتصور أن مسألة أنني امرأة تجعل إلصاق ما أكتب من خيال بحياتي أمراً مثيراً، لكنني اكتشفت أن الكتاب الرجال يعانون مما أعاني.
والاكتشاف الآخر الأكثر غرابة وأهمية بالنسبة لي تم وأنا أقرأ كتاباً لكونديرا عن كتابة الرواية، وهو كتاب كل سطر فيه يمكن أن تكتب عنه مقالاً، لكن ما لفت نظري من ضمن الأمور التي ذكرها كيف أن هناك نقاداً كانوا يقومون بنقد أعمال روائية لروائيين كبار اعتماداً على حياتهم الخاصة، مثلاً نقد قصة لهيمنغواي على أساس علاقته في الواقع بزوجته وتفسير كامل القصة على أساس ما حدث في الواقع، وهذه مسألة مرعبة بالنسبة للكاتب.. أن يتم تفسير كل ما كتب على أساس حياته الخاصة. لأن هذا يعني أن ما يكتبه ليس سوى بوح وفضفضة.
قد تكون الكتابة في الجزء الضئيل منها بوحاً، لكن ذلك ليس غرض الكتابة ولا همها، لو كنت أريد البوح من خلال رواياتي فكان الأسهل والأجدى أن أتحدث إلى اختصاصية نفسية أو أن أقول لصديقتي كل ما يشغل بالي ويسبب لي الأرق بدلاً من أن أطلع العالم كله على حكايتي.
سأحاول أن أشرح كيف يكتب الروائي أو القاص ومن أين يستمد حكاياته، قد لا يسري هذا على جميع الكتاب لكنني أعرف أنه يسري على الكثير منهم.
هل تعرفون لعبة البازل، التي لم أجد ترجمة لها بالعربية لكنها اللعبة التي تتكون من عدد هائل من القطع التي يلزمك أن تجمعها وترصها بحيث تعطيك صورة جميلة في النهاية. هذا ما يقوم به الروائي. والقطع التي يجمعها كي يكتب روايته مكونة من كم هائل من أشياء جرت له في حياته أو رآها تجري في حياة غيره، قصص صديقات، أخبار في التلفزيون، قصص أقارب، زملاء عمل. كل ما يفعله الكاتب بقصد أو دون قصد في حياته هو تجميع هذه الخبرات والحكايات ونسجها كي تصبح في النهاية رواية، لذلك قد تقرأ جزءًا تعرف أن الكاتب مرّ به، فتظن أن كل الحكاية ما هي سوى سرد لما حدث للكاتب في حياته. حسناً أنت مخطئ. المسألة ليست كذلك بالمرة. وكتابة القصة أو الرواية ليست فضفضة. المسألة أعمق من ذلك بكثير.




http://www.alriyadh.com/1930554]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]