لا تقف قيمة التأسيس على أنه يجسّد أهم مشروع وحدوي في العصر الحديث فقط؛ بل إن هذه الأهمية تنبع من قيمة الأثر العظيم الذي أحدثه إرساء دعائم الاستقرار والوحدة ولمّ الشتات لقبائل كانت متنافرة يسودها الجهل والفرقة والمصالح الضيقة. فالدرس المستخلص من هذه الوحدة العظيمة؛ ويجب أن لا يُغفل عنه؛ هو أنها وحدة وتأسيس قاما على أساس من الدين والعدل؛ ولم يقوما على أيديولوجية فكرية ضيقة أو على عصبية قبلية أو غيرهما؛ بل كانت امتداداً راسخاً للدولة الإسلامية الأولى؛ وهنا سرّ ثباتها واستمراريتها. ولعلّ هذا الرسوخ على المبادئ الأصيلة وصدق التوجّه وشمولية النظرة لحكام هذه البلاد هي ما جعل بلادنا تجابه الأطماع بكل بسالة وإباء، ولم توهنها الأحداث التي عصفت بها في بعض مراحلها؛ بل إنها كانت في كل مرة تعود أقوى وأصلب مما كانت عليه؛ وهو ما يؤكد على أن صلابة ورسوخ الوحدة دائمة ولا يمكن لأي تحدّيات أو مصاعب أو غيرهما؛ لا يمكن لها أن تئد همم حكامها أو تضعف من إيمانهم بوحدة أرضهم ومسؤوليتهم التاريخية في إرساء الدولة وبسط الأمن والعدل والمساواة بين شعبها فضلاً عن مسؤوليتهم التاريخية في رعاية المشاعر المقدسة وخدمتها، وكذلك خدمة المسلمين وتأمين حجهم وأداء مناسكهم بكل يسر وسهولة؛ وتذليل كل المصاعب لزائري هذه المقدسات امتثالاً لشرع الله وطمعاً فيما عنده من ثواب.
ومن المهم التذكير بقيمة هذا التأسيس وترسيخه في وجدان الجيل الحالي والأجيال المقبلة؛ فالوحدة وعبقريتها وقصص التضحيات والنضال التي رافقتها لم تكن جهوداً عادية أو عابرة؛ وإنما هي بطولات وهمم عالية وثبات على الهدف وقناعة بصدق وعمق الدور الذي هيّأ الله له هذه الأسرة العظيمة التي توارثت المجد أباً عن جد؛ دون تفريط أو تراخٍ؛ وقال المؤرخ عثمان بن بشر: "فقسّموا البلد أربعاً كل واحد شاخ في ربعها فسمّوا المربوعة أكثر من سنة، وإنما ذكرت هذه الحكاية ليعرف من وقف عليها وعلى غيرها من السوابق نعمة الإسلام والجماعة والسمع والطاعة، ولا تعرف الأشياء إلا بأضدادها، فإن هذه قرية ضعيفة قليلة الرجال والمال وصار فيها أربعة رجال كلّ منهم يدّعي الولاية على ما هو فيه".
هنا نتجلى قيمة وسرّ ثبات واستمرارية هذا الحكم العظيم لدولتنا الفتية بحُكّامها وقادتها الأفذاذ؛ إنه ثبات القيم وتوريثها أباً عن جد حتى عهدنا الزاهر الميمون.




http://www.alriyadh.com/1932594]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]