هذه الذكرى عبارة عن احتفاءٍ بجهدِ رجلٍ عظيمٍ تحدى المصاعب الجسام؛ ليضع لبنة الأساس لدولةٍ رائدةٍ، وكافح في سبيل ذلك باذلاً شتى الجهود في تحقيق هذا الهدف العظيم حتى لقي ربه..
الإنجازات العظمى المرموقة -على تنوعها وتفاوتها- لا تقع في لحظةٍ واحدةٍ، بل هي -بعد توفيق الله تعالى- نتيجة عملٍ دؤوبٍ، ومحاولةٍ مستمرةٍ، وثمرةِ هممٍ لا تعرف الفتور، ولا تتهيَّب مواجهة التحديات، ولا غنى للاحقين عن الرجوع إلى الماضي والتأمل فيه لمعرفة أعيان السابقين وتقفي الخطوات الثابتة التي خطاها أولئك المنجزون في سبيل تحقيق إنجازاتهم العظمى احتفاءً بهم، وتقديراً لجهودهم المذكورة وشكراً لأياديهم العظيمة، وفي هذا الإطار النيِّر جاء الأمر السامي بأن يكون يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، وأن يُسمّى باسم يوم التأسيس، وهو احتفاء بتأسيس هذه الدولة المباركة في العام 1139هـ 1727م، على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى، وأدام هذه الثمرة التي غرس أصلها متنامية مزدهرة مستمرة التطور، ولي مع هذا الأمر الملكي المبارك وقفات:
الأولى: أن هذه الذكرى عبارة عن احتفاءٍ بجهدِ رجلٍ عظيمٍ تحدى المصاعب الجسام؛ ليضع لبنة الأساس لدولةٍ رائدةٍ، وكافح في سبيل ذلك باذلاً شتى الجهود في تحقيق هذا الهدف العظيم حتى لقي ربه، وقد كتب الله البقاء لبذرة الجهود التي بذرها واستعصى على الأعداء اقتلاعها والقضاء التام عليها –رغم الحملات التي شنوها على الدولة الفتية، والضربات التي لم يألوا جهدا في تسديدها- وقد أُلهم قادة أبناء المؤسس الأول السيرَ على منهجه، فتوالت جهودهم في إقامة الدولة، إلى أن قيض الله لهذه الدولة رجلاً من الطراز الرفيع الذي يندر أن يوجد في الزمان مثله، ألا وهو صقر الجزيرة الملك عبدالعزيز مؤسس وموحد المملكة العربية السعودية طيب الله ثراه، فكابد المشقات وخاض الأهوال، وقارع الرجال، وزاحم صُنّاع الإنجازات في عصره بمنكب ضخم، حتى أسّس ووحّد هذا الوطن المبارك، وتوالى بعده على سُدَّةِ الحكم عددٌ من أبنائه وشهدت الدولة تطوراً وازدهاراً على مدى حكمهم، وها نحن نعيش فيها اليوم بأمانٍ وكرمِ عيشٍ وعزةٍ ومنعةٍ بفضل الله تعالى ثم بجهود أولئك الأفذاذ.
الثانية: من فوائد الاحتفاء بيوم التأسيس تصوُّرُ ما مرت به بلادنا منذ تأسيسها من المراحل، وما اكتنف قيامها من تحدياتٍ عظيمةٍ جداً، والتضحيات العظيمة التي قُدِّمت لأجل تخطي العقبات التي اعترضت طريقها منذ التأسيس الأول، وما عاناه أهل البلد قبل قيام المملكة وتوحيدها واستقرارها من ضنكِ عيشٍ وخوفٍ وتشرذمٍ، وقد تحول كل هذا بعد توحيد المملكة ورسو دعائمها، فتبدّل الضيق رخاءً، والخوف أمناً، والتشرذم اتحاداً وتلاحماً، ولا شك أن العاقل إذا قارن بين تلك الأحوال تبين له يُمنُ لبنةِ الأساس التي وُضعت في مثل هذا اليوم قبل ثلاثمائة عام، وازداد حرصه على كُلِّ لبنةٍ من هذا الصرح الشامخ المتمثل في دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية، وقرر أن لا سبيل إلى المساس بهذا الكيان، وأيقن أن كُلَّ تضحيةٍ بُذلت في سبيل المحافظة على تماسك هذا الكيان فهي صغيرةٌ بالنسبة إليه، ولا تفي بحقه، وتبين له سذاجة من عقَّ هذا الوطن، وخالف جماعته وعصى وليّ أمره، وأن من حباه الله نعمة هذا الوطن فَكَفَرَ النعمة، وآثر بيع الوطن بأوهامٍ زائفةٍ، وتطلعاتٍ فارغةٍ قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وحاشا أن يكون هذا الوطن المبارك مما يُمجُّ، لكن الماء العذب يُخيَّلُ إلى مريضِ الفمِ أنه ملحٌ أجاجٌ، وصدق القائل:
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ ... يجدْ مُراً به الماَء الزلالا
الثالثة: الاحتفاء بجهود تأسيس الدولة يُحفِّزُ هذا الشعب النبيل إلى مواصلة المسيرة المباركة، بحيث يُفكِّرُ كُلٌّ منا أين كنا اليوم، وأين سيكون أحفادنا بعد قرونٍ متطاولةٍ؟، وماذا عسى أن نصنع لتتواصل دورة التطور وتتسارع؟، وعلى أيِّ شيءٍ نُربِّي أبناءنا وبناتنا ليُسهموا في بناءِ وطنهم؟ أسئلة لا ينبغي أن يغفل عنها أيٌّ منا ولو لحظة، لكن الواقع يُسجِّلُها أمامنا بحروفٍ بارزةٍ في ذكرى يوم التأسيس، ولا شكّ أن أهمَّ ما يُحقِّقُ لنا هذه الأهداف هو التلاحم والاتحاد والسمع والطاعة لوليِّ أمرنا، والالتفاف حوله، وتفويت الفرص على كُلِّ من حاول شقَّ صفِّنا بأيِّ وسيلةٍ حاول، وعلى أيِّ حساسيةٍ عوَّل، فمسيرة النماء والازدهار ماضية في طريقها، وأعداؤنا والمتربصون بنا الدوائر يعون جيداً أن صفَّنا ما دامَ متلاحماً فلا مطمع في التشويش على القافلة الميمونة؛ وبهذا أمرنا الله تبارك وتعالى فقال: (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وصدق القائل:
إنّ القداحَ إذا اجتمعنَ فَرَامَهَا ... بالكسرِ ذو حنقٍ وبطشٍ أيِّدِ
عزّت فلمْ تُكْسَرْ وإن هي بُدِّدَتْ ... فالوهنُ والتّكسيرُ للمُتبدِّدِ




http://www.alriyadh.com/1936796]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]