إذا قادتك قدماك وأنت في إحدى المكتبات إلى كتاب بعنوان "أنت في باربادوس" فلا تعتقد أنّه كتاب في الجغرافيا، ومع هذا ثمة رابط خفي بين هذا العنوان و"باربادوس" أحدث دولة مستقلّة في العالم، وقبل التوغّل في محتويات الكتاب الصّادر عن دار حبر سنفهم أن كاتبته السعودية نوال الهلالي، تريد أن تشركك في إعادة صياغة نفسك بطريقة ذكية.
تحت العنوان مباشرة نقرأ مفاتيح نصوصها ذات التأثير الإيجابي جداً على تلقّيك كقارئ: "لأنّك من يخلقُ انعكاسك على مرآة الواقع"، تليها مقدّمة قصيرة، تجعلك تدرك أنك أمام امرأة لها تجربة إنسانية عميقة، وثقافة شاسعة في الموضوع الذي تقترحه عليك. وهذا أكثر من محفّز لك لتُتْمِم قراءته، تماماً كما حدث لي.
في خلال ساعة كاملة، لم أتزحزح من مكاني، ركضت في أثر كلمات كاتبتنا وأنا مستمتعة، متسائلة تُراها تتحدّث عن نفسها أو عنّي؟ لقد لامست في غالبية ما تقوله مواجعي وعثراتي وأحلامي المؤجلة إلى حين.
على مدى عشرة فصول مكثّفة ومقتضبة، نكتشف ما خفيَ عنّا عن ذواتنا. إنّه كتاب يخاطب قارئه بذكاء، لنقل أنّه جسر من الأعماق إلى الأعماق، وأراهن أن كثرًا من قرّاء مقالتي اليوم خبروا تجربة الخجل ليس فقط من مواجهة الآخر بل حتى من مواجهة الذات. وهذا الخجل ليس أكثر من عامل معطِّل لجزء من طاقاتهم التي يمكن أن تغيّر حياتهم وتريحهم من أعباء تستنزفهم دون أن يتقدّموا خطوة واحدة نحو الأمام.
تُحدِّثنا الهلالي إذن عن حبّ الذّات أولاً، ثم عن صوت الدّاخل، وقوة الافتراض، وعن أهميّة المسامحة، والحب والانعكاس، والامتنان وحمية العقل، وكل جزء من هذه الأجزاء خلاصة لقراءاتها المتنوعة، فتذكر لنا لوسيل بال، وتوني روبنز، وجلال الدين الرومي، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونيفيل جودار الذي ألهم كاتبتنا بعنوان كتابها، والذي يعتبر من أوائل من شرحوا طريقة الجذب لتحقيق الأمنيات العصية. وجودار كاتب أمريكي من باربادوس، هاجر إلى نيويورك وتعثّر كثيراً قبل أن يهتدي إلى طريقه، ويحقق نجاحاً كبيراً ككاتب ومحاضر. فقد بدأ حياته راقص باليه، ثم جذبته الأفكار الدينية، وما يختبئ في ثناياها من أسرار عن النوايا، وهذا ما أوصله إلى سر "الطاقة الذاتية"، فلكلُّ إنسان موهبة ما جُهِّز بها ليشقَّ حياته بنفسه دون اتكال على مساعد خارجي يحقق له ذلك.
طبّقت الهلالي قوانين الجذب على نفسها، إذ يبدو أنّها رفضت أن تكون مجرّد مُنَظِّرة عقيمة، انطلقت عبر رحلة روحانية دامت سنوات، ولم تأبه لطول التجربة بقدر ما اهتمّت بنتائجها المثمرة، وهذا ما يعزّز ثقة قارئها لإعادة قراءة الكتاب بمجرّد بلوغ خاتمته.
بصدقيّة عالية، وإصرار قوي تمسك الهلالي بيدي قارئها كأنّه رفيقها الدائم، وتقوده إلى عالم من السكينة والطمأنينة حتّى يتحرّر من كلّ قيوده.
http://www.alriyadh.com/1939737]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]