في كثير من الأحيان، يكتشف الإنسان صعوبة الواقع لأن الواقع يتحرك بطرق لا نفهمها. وعندما يكتشف أحدنا ذلك، ولو متأخراً، يشعر أن عالمنا هذا ليس عادلاً. إذا كان أداؤك لا يضمن نجاحك، كما أوضحنا سابقاً، وإذا لم تدرك الفرق بين الأداء والنجاح، ستشعر بالظلم لأن العالم لم يتصرف كما تتوقع، وإن كانت لدينا موعظة تستحق أن تسمع، فلتكن للغافل المظلوم، وللعالم الظالم.
إذا كان الظلم موجوداً فليس بالتأكيد من الجميع، فإذا قررت اللجنة الأولمبية منح الميدالية الفضية لصاحب المركز الثاني في سباق الألف متر ولو كان الفارق بين الفائز الأول بضع أجزاء من الثانية، فإن وسائل الإعلام لن تعطي صاحب المركز الثاني نصف دقيقة ليلتقط أنفاسه أمام عدسة الكاميرا، وإذا أنصفت وسائل الإعلام صاحب المركز الثاني قليلاً ولو مجاملة، هل سينصفه صاحب المقهى بأن يعلق صورته في مكان بارز عندما يجلس دقائق ليتناول فنجاناً من القهوة؟
ليس شعور المركز الثاني جديداً على أحد، سواء في السباقات الرياضية أو في غيرها من المناسبات، لكن إحدى شركات تأجير السيارات أدركت معضلة المركز الثاني واستطاعت أن تصنع منها ميزة لصالحها، فقد عرف في وقت من الأوقات أن تنافساً حاداً بين شركتي تأجير السيارات الأكبر نتج منه تصدر أحدهما في أرقام المبيعات على حساب الأخرى مدة طويلة، ولأن الأمر شاع لدى المستهلكين وقبل أن يتحول الأمر إلى صورة ذهنية يصعب تغييرها، ابتدعت الشركة شعاراً ينصفها مهما استمرت مبيعاتها في المركز الثاني، فقد اعترفت لزبائنها أنها الشركة التي تكافح أكثر، ولأنها كذلك أوحت لزبائنها أنها مستعدة لتقديم خدمات مختلفة وربما غير عادية لأنها تحاول جاهدة للتحسن.
ما فعلته شركة تأجير السيارات حل مبتكر ينصفها عطفاً على أدائها المميز مهما كان معيار النجاح، فإن كانت الشركة سدت الفجوة بين أدائها ونجاحها، فكيف للآخرين أن يساهموا في ذلك؟ الوعي بحقيقة الفصل بين الأداء والنجاح يدعو لمراجعة مقاييس النجاح، ففي مناسبات عديدة لا يعني معيار الأداء شيئاً لأحد إذا صنف المتنافسون تصنيفاً مخلاً. فعلى عكس العدائين الذين يقاتلون على أجزاء من الثانية، يتنافس الكتاب على مبيعات بمئات الألوف. فعلى عكس العدائين الذين لا ينصف أداءهم المركز الثاني، يظلم الكتاب حسب مبيعاتهم إذا نالوا المركز الأول، ففي سنة 2009م نزلت في أسبوع واحد رواية الرمز الضائع لدان براون ورواية الأغنية الأخيرة لنيكلوس سباركس، تصدرت رواية براون قائمة الأعلى مبيعاً في مؤشر النيويورك تايمز وحققت رواية نيكلوس المركز الثاني، كانت مبيعات نيكلوس ذلك الأسبوع 100 ألف نسخة، أما دان براون فباع في الأسبوع نفسه 1.2 مليون نسخة، اختفى الفارق بين المركزين ولم تنصف قائمة النيويورك تايمز هذه المرة، فوقع الظلم على صاحب المركز الأول.
http://www.alriyadh.com/1948636]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]