لعل أكبر فائدة نجدها في الحرب الروسية الأوكرانية، أنها ستعيد عرباً كثيرين إلى رشدهم بتخليهم عن تقديس الغرب وجعله أمة السلام والحقوق والديموقراطية، لأن الغطاء انكشف وسط تباكي السياسيين وقادة المجتمع والأعمال لدى ذلك الغرب، وحسرتهم على الدم الأوكراني وربطه بأسمى الصفات، في الوقت الذي يشيرون فيها إلى الدماء المسفوكة في إفريقيا والشرق الأوسط بعبارات مخجلة.
تلك الديموقراطية والإنسانية المزعومة حضرت أيضاً من أكبر قنوات الإعلام لديهم ومراسليها الذين يشيرون إلى أن اوكرانيا ليست أفغانستان ولا العراق، وكأن ذبح المنتمين للأخيرتين حلال وما يحدث للأوروبي حرام.. وليتهم وقفوا عند ذلك بل إشاروا إلى أن أوكرانيا بلد أوروبي متحضر وبعيون زرقاء وبشرة بيضاء كما فعل ذلك المدعي العام الأوكراني وهو يستجدي لنصرة بلاده.
أزمة روسيا وأوكرانيا جعلتنا ندرك اللعبة تماماً وإن كنّا مطلعين عليها من قبل، فلدى غير الغرب يمنع إدخال السياسة بالرياضة، ويمنع مصادرة حقوق من تسببوا بالحروب أو رفض تجارتهم، لكن حين كان المتضرر أوروبياً ينتمي لتحالفاتهم أصبح عملاً من رجس الشيطان، فعناوين نصرة أوكرانيا على صدور اللاعبين وتزين أعلى شاشات النقل، غير مصادرة كل ما له علاقة بروسيا!
هل تعلّمنا من النتائج التي أفاضت بها هذه الحرب أم أن علينا أن نعايش تلك المعايير المزدوجة التي كشفت نظرتهم الدونية للشرق الأوسط وإفريقيا وكل من لا ينتمي لهم دماً ولوناً؟!.. فالعدل لديهم أن لا يقتل الغربي، أما البلدان الأخرى فقتلهم "مسألة فيها وجهة نظر" كما قال غازي القصيبي -رحمه الله-، ليس إلا -من وجهة نظرهم- أنهم سلالة متفوقة متقدمة على السلالات الأخرى، وكأنهم يعيدون نظريتي السلالة الآرية والنوردية المتفوقتين اللتين أخفوهما زمناً وأعادوهما الآن.
ما يحدث الآن كشف لنا أن من يحتقرك لن ينصرك أبداً، وأن نعمة الوطن الآمن كالتي نعيشها في بلادنا العظيمة المملكة العربية السعودية وفي ظل قيادتها العادلة هي المبتغى، ولن ينصفك أحد كما وطنك، ففيه الكرامة تصان والعرض يحفظ، لن تكون غريباً في وطنك، وسيعيش الغربة بكل معانيها من كان جاحداً له محارباً له، والأدهى والأمر حينما يصبح خائناً له، فمن يخون وطنه كمن يبيع عرضه!.. فأسوأ البشر هو من باع بلاده لأجل ما يُسمى بقيم الغرب، بعد أن اتضحت المعايير قبل الحرب وأثناءها، فمن يحققون مطالبهم لهم مهمة معينة يستقبلونهم لأجلها، ويقذفون بهم إلى الشارع بعد انتهائها.. وشاهدوا أولئك المضحوك عليهم عبر مواقع التواصل، وكيف أصبحت حياتهم شذراً مذراً بعد الاحترام الذي كانوا يجدونه في بلادهم التي خانوها؟!.
ختاماً حتى لا نيأس، علينا أن نتذكر الوطن وقيمته العالية، وبلا شك أن مروره بالذاكرة سيجعلك أكثر سعادة لأنه لن يُقدرك بلد كما وطنك، وإن فعل الغريب فهو لمصلحة ما يريدها منك، ولا عزاء للمتمسحين بهم بعد أن سقط القناع.
http://www.alriyadh.com/1951719]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]