كيف يمكن أن أكتب عن تجربة شخصية جداً، تعودت معكم على التحدث عن معارض ومتاحف ولوحات وكتب وفن كثير صاغه آخرون، هذه المرة أتحدث عني، عن تجربتي الأولى في عمل معرض يضم أعمالي، وحدي، أنا فقط، يالهول التجربة، ظلت الناس تسألني: ما شعورك؟ كنت أرتجل إجابات لا أعرف إذا كانت حقيقية أم لا، كنت في وسط الحدث، لا يعرف الشخص وهو وسط ما يحدث له كيف هو شعوره، يأتي ذلك بعد ذلك، أو ربما لا يأتي، لا أعرف، أعرف أنني كنت مشغولة جداً، أتحدث إلى الناس، أستقبلهم، أقف معهم، أتحاور أحياناً، أقول كلاماً رداً على كلامهم، لا أحاول أن أبدأ الكلام، ربما بدوت خجولة كما صرحت آخر زائرة زارتني في آخر يوم، ومتى كان آخر يوم، البارحة.
نعم، أكتب لكم صباح اليوم التالي، بعد انتهاء كل شيء، ثمانية أيام كنت أذهب فيها كل يوم، أعبر في الصالة التي علقت فيها لوحاتي، تنظر إلي عيون الناس التي رسمتها، أحبها تلك العيون، هي أنا، لكن، بدون الأنا، ربما كان أجمل مديح سمعته من الكثيرين أنني موجودة في كل لوحة، وأن الملامح على اختلافها واختلاف الأجناس التي تمثلها لكنها كانت تشبهني، ربما هي روحي، ربما الحزن أو الفرح أو التأمل أو أي تعبير وضعته على ملامح من شكلت، كانت تحمل شيئاً مني. أحب الناس، بدا ذلك واضحاً في اللوحات التي رسمتها، كنت أحتفي بهم، حتى لو كان ذلك عن طريق تشكيل لوحات لأشخاص بعينهم، لكنها، تلك البورتريهات كانت بالنسبة لي تعبيراً عن إعجابي بالإنسان، هذا المخلوق البديع المتفرد الذي لا يشبه فيه شخص شخصاً آخر، أليس ذلك من معجزات الكون؟! كيف خلق الله كل هؤلاء الخلق، الكثير، وكل منهم له شكل متفرد، وكل واحد له شخصيته وتعبيراته وروحه؟! لكل ذلك أنا أحب رسم البورتريهات، أنا الطبيبة التي عشت سنين حياتي أستمع إلى المرضى في عيادتي وإلى الأطباء الذين يتدربون عندي، تشربت عيني الكثير من الملامح والتعبيرات، أنا الكاتبة التي قضيت عمري أتلمس حكايات الناس لأكتبها، كان لابد أن يظهر ذلك في لوحاتي، تشترك الفنون في التعبير عن الناس، والطبيب الجيد فنان، وهذا ما حاولت أن أكونه، في مهنتي وفي فني.
التعبير الذي سمعته منذ كنت في السنة الرابعة طب، أن الطبيب الجيد ملاحظ جيد، يرى بعين لماحة، نفس العبارة سمعتها عن الكاتب الجيد، وفنان البورتريه الجيد ليس فقط من ينقل الملامح ببراعة، بل من ينقل ما تشعر به الملامح بنفس البراعة. وأنا أؤمن بذلك.




http://www.alriyadh.com/1952837]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]