هل توجد فوارق بين الدول العربية والدول الغربية في موضوع الإدارة بتفاصيلها المختلفة وعناصر العملية الإدارية المعروفة وما طرأ عليها من جديد.
كانت أساليب وأفكار إدارية مثل التخطيط الاستراتيجي وتقييم الأداء والحوكمة وإدارة الأزمات، كانت من أدبيات وممارسات الإدارة في الدول الغربية مثل أمريكا وأوروبا.
كانت المقارنة بين الإدارة العربية والإدارة الغربية تتجه نحو موضوعات مثل ثقافة التخطيط، وإدارة الوقت، وتأثير العلاقات الشخصية، والروتين وغياب العمل المؤسسي. الموضوعية تحتم على الباحث تسجيل فوارق كانت واضحة في زمن مضى. سيلاحظ الباحث في ذلك الزمن أن الثقافة الإدارية الغربية تركز على المهنية والاحتياج الفعلي للتوظيف ولا يخضع قرار التوظيف أو التقييم للمعايير الشخصية بنفس القدر الذي يحدث في الإدارة العربية. كما سيلاحظ أن بيئة العمل في الغرب في الغالب بيئة عملية من حيث المبنى والتجهيزات والأثاث وقد يكون مقر إحدى الوزارات مجرد شقة أو فيلا صغيرة، وفوارق أخرى لا يتسع المجال للتطرق إليها.
الحديث عن الإدارة في الدول الغربية يحدد لها سمات معينه مثل احترام الوقت والشفافية، واستخدام التقنية والأساليب العلمية، وتشجيع الأفكار والمبادرات التطويرية والإبداعية، وممارسة التخطيط، والتقييم والتطوير.
الحديث عن الإدارة العربية كان في زمن مضى نقداً موضوعياً ومنطقياً بسبب وجود سمات وممارسات وعادات إدارية مثل المرونة الفضفاضة في تطبيق الأنظمة، وتغليب الولاء والانتماء على الكفاءة، والميل نحو الاستقرار وعدم الترحيب بالتغيير، وطول مدة بقاء الإداري في منصبه، والمركزية، وضعف في ممارسة التخطيط والتقييم، وطول الإجراءات الإدارية.
ذلك النقد استمر وربما وصل إلى مستوى جلد الذات رغم التطور الملحوظ في بعض الدول العربية. دعونا نأخذ المملكة العربية السعودية كمثال على هذا التطور نستطيع أن نستشهد به بحكم المعايشة سواء في القطاع العام أو الخاص.
في المملكة أصبحت قطاعات الدولة تعمل في إطار رؤية واضحة موحدة. قد يتفاوت الأداء بين قطاع وآخر وهذا يخضع لعملية تقييم ذات معايير مهنية ومؤشرات علمية.
في المملكة مسيرة تطوير إداري مستمر يتكيف مع المستجدات. هذا التطور شمل الإدارة التنفيذية والتشريعية والقضائية. إنشاء وتحديث للأنظمة واللوائح والإجراءات هي نتاج تنمية إدارية شاملة، وقرارات قيادية تتكيف للحاضر والمستقبل انعكست على تحقيق نقلة إدارية في ميادين كثيرة من أبرزها إدارة وتنظيم الحج والعمرة.
في المملكة تقنية إدارية طورت الخدمات إلى مستوى ريادي متميز ينجز فيه الإنسان ما يحتاجه من خدمات وهو جالس في منزله. جدد أحد الأصدقاء رخصته عبر الجوال، ثم استقبل خلال لحظات رسالة تؤكد التجديد، فكان تعليقه: لم أشاهد مثل هذه الخدمة في حياتي. التطوير الإداري لم يقتصر على الإجراءات والتقنيات فهذا التطوير هو نتاج نقلة في الثقافة الإدارية والفكر الإداري انعكست إيجابياً على كل المجالات.
في المملكة تجربة مذهلة في التعامل مع جائحة كورونا تثبت تطور القطاع الصحي في الخدمات الوقائية والعلاجية وفي الكفاءات الوطنية المتخصصة في فروع الطب المختلفة. إضافة إلى القدرة على التكيف مع ظروف الحجر كما حصل في تجربة التعليم عن بعد.
تطوير شمل البنية التحتية والقطاعات المختلفة. تنمية شاملة كانت بحاجة إلى إدارة تنمية فكان التعليم هو الحل. اتجهت المملكة إلى الاستثمار في الإنسان فكانت المدارس والمعاهد والجامعات والابتعاث الخارجي تنشأ وتتطور وتتكيف للاحتياجات التنموية المختلفة فكانت النتيجة كفاءات بشرية في مجالات متعددة كان من ضمنها تمكين المرأة وجعلها شريكاً في مشروع التنمية.
ما سبق جزء من ملامح التطوير الإداري في المملكة. السؤال هنا هو، لماذا بدأت المقال بالمقارنة بين الدول العربية والدول الغربية في الفكر الإداري والممارسات الإدارية؟ الإجابة تكمن في تلك النظرة النمطية التي تعمم على الإدارة العربية وكأنها واقفة في مكان واحد لا تتحرك وهي نظرة خاطئة ينفيها واقع بعض الدول المتطورة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. السبب الثاني للمقارنة هو أن ننظر لما يحدث من تطوير في بلادنا نظرة موضوعية وأن ما تحقق لا يعني نهاية القصة أو الكمال فالكمال لله وحده، وأن نركز على الإيجابيات والإنجازات وليس على الأخطاء الواردة، ولا زال لقصة التطوير الإداري في المملكة بقية وتحديات وطموحات وإصلاحات.
http://www.alriyadh.com/1953020]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]