ربما كانت السيرة العائلية -ذاتية أكانت أم غيرية- دليلاً على تناسل الأجناس السيرية وتفرّعها، ونعني بالسيرة العائلية هنا تلك التي يكتبها أحدهم عن نفسه، ويضمنها أفراداً من عائلته يكون لهم نصيباً وافراً من كتابته، أو هي السيرة التي يكتبها بعضهم عن أحد من أفراد عائلته بشكل مخصوص، كالأب، أو الأم، أو الزوج، أو الزوجة، أو الابن، أو البنت، أو الأخ، أو الأخت، أو العم، أو من كان من عائلة الكاتب بحسب درجات القرابة المعروفة، فهذا شكل جديد من أشكال السيرة يستحق الدراسة والاهتمام.
وقد رصدنا هذا الشكل في نماذج عديدة، لعل منها مثلاً ما قامت به (خيال) ابنة الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري، حيث كتبت سيرتين عن أبيها بعنوان: (الجواهري مسيرة قرن)، و(الجواهري وسيمفونية الرحيل)، وقد نجد في الكتابة عن الأم لوناً جميلاً، وطعماً مختلفاً، وهنا أشيد بتجربة حديثة قدمتها الكاتبة د. فوزية أبو خالد في كتابها (سيرة الأمهات) الذي ضم شهادات لبعض الكتّاب عن أمهاتهم، وجمع الكتاب بين الرصد الغيري، والتجربة الذاتية للأم نفسها.
ولو رمنا التفتيش في السير العائلية لوجدنا أشكالاً متنوعة من الكتابة في هذا المجال، فمن ذلك ما قام به الصديق العزيز المرحوم -بإذن الله- فهد الحماد الصائغ من رصد سيرة والده -رحمهما الله-، حيث أخرج كتاباً بعنوان (الشيخ الأستاذ إبراهيم الحماد، سيرة وإنجاز)، وتناول فيه شيئاً من حياة والده العلمية، والعملية، والاجتماعية، وقدّم لهذا الكتاب معالي الشيخ الدكتور صالح بن سعود آل علي، والأستاذ عبد الكريم بن عبد الرحمن الملق، ومما يميز هذه السيرة العائلية اشتراك الأبناء في جمع مادة الكتاب وترتيبها، وهو ما جعلها سيرة عائلية متميزة.
وقريب من هذا المسلك -ويعد من أحدث ما كتب في السير العائلية- كتاب (أولئك أبي) الذي صنعه زياد بن عبدالله الدريس عن حياة والده الشاعر عبد الله بن إدريس -رحمه الله- الذي رحل قبل بضعة أشهر، وهنا يمكن أن تكون السيرة العائلية أكثر تميزاً، إذا كانت مكتوبة حول شخصية أدبية مرموقة؛ لذلك فإن السيرة العائلية التي يخطها الأبناء حول آبائهم هي أكثر تواكباً مع الشخصية من جهة، وأكثر تغايراً مع السير من جهة أخرى.
وربما كانت السيرة العائلية حول العم، ولعلي أستصحب هنا آخر سيرة لفتت انتباهي، وهي التي كتبها معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام، والمسجد النبوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، حيث ألّف كتاباً ماتعاً اقتضب فيه سيرة عمه المرحوم -بإذن الله- فضيلة الشيخ القاضي علي السديس، وقد زيّنه بعنوان جميل، وهو (الرثاء الجلي في عزاء فضيلة العم الشيخ علي رحمه الله، المتوفى بتاريخ 1443/3/15هـ).
إن السيرة العائلية شكل سيري حديث، وربما كانت له بعض الامتدادات والجذور في تراثنا العربي، وهذا أمر يحتاج بحثاً ودراسة، وإنما حاولت الوقوف على بعض النماذج التي لاحت لي مؤخراً، وبشكل عام فإن هذا النمط السيري يتطلب اهتمامًا من قبل الدارسين، ولا سيما أنه أكثر حرارة، وأصدق عواطفاً، وأقرب مكاناً، وأظهر وفاءً، وأجمل احتفاءً، وأغزر مادةً، وأندر أخباراً، وأطرف أفكاراً؛ لذا فإن الالتفاتَ مُهِمٌّ إلى مثل هذا النوع السيري المتميز، وبخاصة في ظل وفرة نماذجه المتباينة.




http://www.alriyadh.com/1954413]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]