وقفات كثيرة لم أتوقف عندها كثيراً لأنها تشبه ما عشته وعاشه أكثر من ولد مع بدايات التعليم والتنمية في تلك الفترة، لكنها مهمة لجيل لن يصدق ما عاشه ذلك الجيل من شظف العيش، وتحمل الأمهات مهمة التربية، مع انشغال الآباء وقسوتهم، ومكابدة مصاعب الحياة
لم تكن أطيافاً شاردة، بل توثيقاً لمرحلة مهمة من تاريخ الوطن، سيرة ذاتية كتبت بلغة رصينة وأسلوب أدبي رفيع، سيرة تؤرخ لمرحلة مهمة، استعان فيها الكاتب على قراءة المشهد بالتواصل الشخصي، وحضور بعض المنتديات الثقافية، ومقابلة شخصيات فاعلة على الساحة الثقافية، مما أنتج سيرة ذاتية ليست لكاتبها الدكتور عبدالله القفاري فقط، لكنها لمحات عن رجال أثروا الساحة الثقافية والمكتبة العربية بمؤلفاتهم وفكرهم. هذه السيرة ستبقى شاهداً على مرحلة تحولات كبيرة عاشتها المملكة، بدأها الكاتب بمسقط رأسه عرعر في أقصى الشمال، إلى الدمام ثم الرياض. وقفات كثيرة لم أتوقف عندها كثيراً لأنها تشبه ما عشته وعاشه أكثر من ولد مع بدايات التعليم والتنمية في تلك الفترة، لكنها مهمة لجيل لن يصدق ما عاشه ذلك الجيل من شظف العيش، وتحمل الأمهات مهمة التربية، مع انشغال الآباء وقسوتهم، ومكابدة مصاعب الحياة.
بدأ في رصد تحولات المجتمع بعد المرحلة الثانوية والتحاقه بجامعة الملك سعود، تغييرات ثقافية واجتماعية بدأت تغزو الشارع والمدرسة، تخطيط انطلق من التعليم، وأشعلت الثورة الإيرانية المشهد ليكون الصراع المذهبي على أشده، وكأن قادة التنظيمات الدينية قد وجدوا ضالتهم، فطبعت الكتب الموجهة لعقول الشباب واعتلى المؤدلجون المنابر والمحافل، مما يوحي بقوى صاعدة وتحولات فكرية كبرى على مستوى المنطقة، كانت المشكلة في فهم الدين وأسلوب الدعوة، ثم الامتلاء المتضخم بالأنا والمتعالية على الآخرين، إنه التدين المتزمت الذي يريد إخضاع الجميع لنسقه وفهمه وقراءاته. (ص 119)
تحدث عن أساتذة كبار أثروا حصيلته العلمية، وأسهموا في استمراره متفوقاً في تخصص (الفيزياء)، أساتذة تم استقطابهم من جامعات متميزة على مستوى العالم، من بغداد والقاهرة إلى السويد، وكانت السودان تمنح الجامعة أساتذة كباراً وعلماء مميزين في تخصصاتهم واهتماماتهم. أما السرّ الثاني لتفوقه فهو القراءة وملازمة المكتبة طيلة العام.
كان زائراً منتظماً لبعض الندوات الثقافية التي تقام في مدينة الرياض، وتوقف كثيراً وأسهب في الكتابة عن ندوة الأحدية التي أسسها ورعاها الدكتور راشد المبارك لثلاثة عقود متواصلة، وكان صاحب الندوة مثقفاً ومفكراً وشاعراً، ووسيطاً بين السلطة والمجتمع. وتولى الدكتور عبدالله مهمة إصدار كتاب يتناول ملامح من فكر وأدب وشخصية الدكتور راشد، وصدر الكتاب بعنوان: "راشد المبارك.. ريادة في الفكر والثقافة"، وتولى كتابة فصل بعنوان "المثقف الوسيط"، أثنى كثيراً على سيرة راشد المبارك ونبله وسعة اطلاعه، وتحدث عن عبدالله القصيمي وكتب عنه بإسهاب، وكتب عن ذلك الأديب الذي تعلم القراءة والكتابة بعد سنّ العشرين، والمغرم بالمتنبي، وهو الأديب عبدالعزيز الربيعي من أهالي الغاط.
تحدث عن وجوه أحدية راشد المبارك، ومنهم ذلك "البدوي النبيل" القادم من بادية "حرب" الدكتور مرزوق بن تنباك. وصفه بسعة الأفق، يغادر مناطق الاختناق لرحابة الاستيعاب، ينحاز دوماً لعالم أرحب عنوانه الإنسان وقضاياه وحقوقه، شغوفاً بوطن يقدم الكفاءة على أي اعتبار آخر، من سماته أنه لا يضيق برأي مخالف، ولا يحتد في دفاعه عن رأي أو اتجاه.
تحدث عن صالح المنصور -رحمه الله- وبسؤال: هل كان الشيوعي الأخير؟ كما هو في رواية إبراهيم الوافي. والحقيقة أن صالح المنصور والذي عرفه الكاتب قبل 30 عاماً تعرض لنكسات لا يبوح بها، وظروف قاسية لا يعبر عنها مباشرة، وخيبات أليمة غرست في قلبه ووجدانه وعقله نصالاً تكسرت فوق نصال (ص 183). وجد في صالح المنصور إنساناً بكل معنى الكلمة، كان عزيز النفس سليم الطوية، يأتي بهدوء وينصرف بسلام، حاول أن يصنع شيئاً من أجل الفقراء والبائسين، يمر على المطاعم ليجمع بقايا الطعام ويذهب بنفسه يطرق أبواب الفقراء ويوزعها عليهم، وفي إحدى الليالي خذلته قدماه، قتلته تلك الخيبة الثقيلة "الرأسمالية" التي طالما هجاها، مات -رحمه الله- في حادث دعس.
وفي المجال العلمي الذي هو مجاله كتب عن إنجازات وخيبات، ومشروعات بعضها نفذ، وأخرى لم ترَ النور لأن الخطط التنفيذية تتوقف عند حدود الورق الذي كتبت عليه. لديه اهتمام بنشر ثقافة العلم وبناء مشروع ثقافي وطني، مشروع فيه ندوات ومعارض ومحاضرات، ومسارح وفنون، ونشاطات متعددة، ومراكز ثقافية وجوائز تقديرية، وتنمية مهارات، ورعاية مواهب ناشئة. مشروع ثقافي آمل أن يجد من يحييه ويستقطب من أمثال الكاتب كمستشارين، فلا غنى عن الخبرات المتراكمة في إثراء الثقافة للقيام بدورها المهم.
ولضيق المساحة أتوقف عن الاسترسال في المجال الثقافي والعلمي والبحث والتطوير ونشاطه ككاتب صحفي متميز على مدى عقدين من الزمن.
مثل هذه السيرة الذاتية تستحق أن تقرر للقراءة الحرّة في المدارس والجامعات، وأن تدرس من قبل القائمين على التعليم، وعلى الثقافة بشكل عام.
http://www.alriyadh.com/1954423]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]