تشير النسبية الثقافية إلى فكرة أنه يجب فهم قيم ومعرفة وسلوك الناس ضمن سياقهم الثقافي الخاص، هذه أحد أهم المفاهيم الأساسية في علم الاجتماع، حيث إنها تعترف وتؤكد الروابط بين البنية الاجتماعية الكبرى والاتجاهات والحياة اليومية للأفراد، وقد تم تأسيس هذا المفهوم كأداة تحليلية قام بها عالم الأنثروبولوجيا الألماني الأمريكي فرانز بواس في أوائل القرن العشرين، حيث يقوم على أن كل المعتقدات والعادات والأخلاق نسبية بحسب الفرد في بيئته الاجتماعية، بكلمات أخرى "الصواب" و"الخطأ" مرتبطان بالثقافة؛ فما هو أخلاقي في مجتمع ما، قد يعتبر غير أخلاقي في مجتمع آخر، وبما أنه لا يوجد أساس عام للأخلاق فلا يملك أحد الحق في إدانة عادات مجتمع آخر.
النسبية الثقافية نظرية مقبولة على نطاق واسع في علم الإنسانيات الحديث. يؤمن أصحاب هذه النظرية أن كل الثقافات محترمة في حد ذاتها وهي كلها متساوية في القيمة. ولا يجب تقييم تباين الثقافات، حتى تلك التي لها معتقدات أخلاقية متعارضة، على أساس الصواب والخطأ، أو الخير والشر. يعتبر علماء الإنسانيات اليوم أن جميع الثقافات مشروع للوجود الإنساني ويجب دراستها من وجهة نظر محايدة تماماً.
ترتبط النسبية الثقافية ارتباطاً وثيقاً بالنسبية الأخلاقية، التي ترى أن الحق متغير وغير مطلق. وما يشكل الصواب والخطأ يحدده الفرد وليس المجتمع. وبما أن الحق ليس موضوعياً، فلا يمكن أن يوجد أساس موضوعي ينطبق على جميع الثقافات. فلا يستطيع أحد أن يقول إن كان آخر على صواب أو خطأ؛ فالأمر يرجع إلى الآراء الشخصية؛ ولا يستطيع مجتمع أن يحكم على مجتمع آخر.
وكذلك مفهوم الإثنية العرقية؛ فهي ممارسة مشاهدة ثقافة شخص آخر والحكم عليها بناءً على قيم ومعتقدات المرء، ومن وجهة النظر هذه قد نؤسس ثقافات أخرى على أنها غريبة مثيرة للاهتمام، وحتى كمشاكل يجب حلها. في المقابل؛ عندما ندرك أن الثقافات العديدة في العالم لها معتقدات وقيم وممارسات خاصة بها تطورت في سياقات تاريخية وسياسية واجتماعية ومادية وبيئية معينة، ومن المنطقي أنها تختلف عن سياقاتنا الخاصة، وأن لا شيء بالضرورة صحيح أو خطأ أو جيد أو سيئ، فإننا نشرك مفهوم النسبية الثقافية. على سبيل المثال؛ وجبة الإفطار تختلف بشكل كبير من مكان لآخر، ما يعتبر إفطارًا نموذجيًا في دولة عربية، يختلف تمامًا عما يعتبر إفطارًا نموذجيًا في الولايات المتحدة أو اليابان.
من خلال الاعتراف بالنسبية الثقافية؛ يمكننا أن ندرك أن ثقافتنا تشكل ما نعتبره جميلاً وقبيحًا وجذابًا ومثيرًا للاشمئزاز ومخلصًا ومضحكًا؛ إنه يشكل ما نعتبره فنًا جيدًا وسيئًا وموسيقى وفيلمًا، وكذلك ما نعتبره سلعًا استهلاكية رفيعة الذوق أو مبتذلة، يختلف هذا ليس فقط من حيث الثقافات الوطنية ولكن داخل المجتمع الكبير، وكذلك من خلال الثقافات والثقافات الفرعية التي تنظمها الطبقة، والعرق، والجنسية، والمنطقة، والدين، من بين أمور أخرى.
يقول آينشتاين: إن كشف الحقيقة مرة واحدة لا يكفي. إن الحقيقة تشبه تمثال الرخام المنصوب في صحراء تضرب فيها عواصف الرمل، ومهدد بالاختفاء في كل لحظة، والأيدي الماهرة التي تنفض عنه الرمال باستمرار هي التي تحافظ على لمعانه تحت ضوء الشمس.
http://www.alriyadh.com/1955351]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]